للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عثمانَ رضي اللَّه عنه، فأرسل إلى كلِّ أُفق بمصحف، وأمرهم بالاقتصار مِنَ القراءات التي كانوا تلقَّوْها عَنِ النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وعن أصحابه على ما تضمَّنه المصحف المذكور.

ووقع في بعض المصاحف المذكورة اختلافٌ كثير بالزِّيادة الخفيفة والنقص اليسير مثل "مَنْ" في قوله تعالى: {تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ} في أواخر سورة براءة (١)، فإنها في المصحف المكي ثابتةٌ، وليست ثابتة في المدني ولا الشَّامي ولا غيرهما، ولم يكن في المصاحف المذكورة نقط، ولا شكل، فقرأ أهل كل مصر بما وافق مصحفهم واقتصروا عليه، وهو في الأصل حرف واحدٌ مِنَ الأحرف السبعة التي جرى ذكرُها في الحديث الصَّحيح. وأمَّا السِّتَّة الأخرى فمهما وافق الحرفَ المذكورَ منها فهي منه، ومهما خالفه بتغيير النقط أو الشكل أو الزِّيادة أو النَّقص، فهو الشَّاذُّ اصطلاحًا، وقد يقع فيه ما هُو في نفس الأمر غيرُ شاذٍّ، لكنه مِنْ جهة الاقتصار على المصحف العثماني خفيَ أمرُه، فسُمِّيَ شاذًّا، مع أنَّ كثيرًا مِنَ القراءات التي لا تُنْسَب للأئمَّةِ السَّبعة المتقدِّم ذكرُهم غيرُ شاذٍّ، لأنَّ الذي استقرَّ عليه الأمرُ أن ضابطَ المشهور ما وافق رسمَ المصحف العثماني، وصحَّ سندُه إلى إمام مشهور مِنْ أئمَّة القراءة، ووافق اللِّسانَ العربيَّ لُغةً وإعرابًا. ولا يشترط كونُه أفصحَ، بل يكفي كونُه فصيحًا.

ولا يرتابُ العارف بالقراءات في قراءة أبي جعفر بن القعقاع ويعقوب وغيرهما مِنْ هذا الجنس الشيء الكثير، فهذا تحقيق الأمر في ذلك.

ومهما خالفَ الضَّابط المذكور، فهو مِنَ الشَّاذِّ سواءٌ نسِبَ إلى إمام منَ الأئمة السَّبعة المذكورين أم إلى غيرهم. وأما القراءة بالشَّاذِّ فلها حالان:

الأولى: في الصلاة، ولها حالان:

أحدهما: تحريمُ القراءة بها، والثاني: صحة الصلاة.


(١) الآية رقم ١٠٠.