للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رواه النسائي عن عبد اللَّه بن أبي أوفى رضي اللَّه عنه، قال: كانَ رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يكثر الذِّكرَ ويقلُّ اللَّغوَ. الحديث. فقالوا: قول الراوي: يُقِلُّ اللَّغْوَ، أي: لا يلغُو أصلًا.

فال ابن الأثير في "النهاية" مادة (قلل): ومنه الحديث أنه كان يقلُّ اللَّغْوَ، أي لا يلغو أصلًا، وهذه اللفظة قد تُسْتَعْمَلُ في نفي الشَّيء، كقوله تعالى: {قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ} [الحاقة: ٤١].

فالمعنى في كلام القاضي حينئذٍ: أنه كان قليلَ الكِبْر، أي لا يقعُ منه أصلًا، كما قيل ذلك في الحديث، وليس في ذكره ذلك بأفعلَ التَّفضيل ما يقتضي مشاركة الناس في الكبر، لأن أفعلَ التَّفضيل قد تخرجُ عَنِ المشاركة كما في قوله تعالى: {أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا} [الفرقان: ٢٤]، [ولا خيريَّة في مستقرِّ النار ولا حُسْنَ في مقيلها] (١).

وقد وقع مثل ذلك في الحديث المتَّفق عليه مِنْ حديث سعد بن أبي وقاص رضي اللَّه عنه: استأذن عمرُ رضي اللَّه عنه على رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وعنده نِسْوَةٌ. . . الحديث. وفيه: "أنت أقطُّ وأغلط". فقال النَّووي في "شرح مسلم": قال العلماء: ليست لفظة أفعل هنا للمفاضلة، بل هي بمعنى: قط غليظ. ثم نقل عَنِ القاضي عياض، قال: قد صحَّ حملُها على المفاضلة، وأنَّ القدر الذي منها في النَّبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- هو ما كان في إغلاظه على الكافرين والمنافقين، كما قال تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ} [التوبة: ٧٣ والتحريم: ٩]، وكما كان يُغْلِظُ عليهم ويغضَبُ عند انتهاك حرمات اللَّه. انتهى.

فحينئذٍ قولُ القاضي: (وأقلَّهم كبرًا)، بمعنى انتفى الكِبْرِ عنه البَتَّةَ، كما تقدَّم، وقد يُؤوَّلُ على شدَّته على الكُفَّارِ والمنافقين كما في الذي قبله، لأنَّ تواضُعَه ورأفتَه ورحمَتَه كانت بالمؤمنين، كما في قوله تعالى {بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة: ١٢٨].


(١) ما بين حاصرتين ساقط مِنْ (أ).