للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

فأجاب: بأنَّه قد وَرَدَ في الحديث الوعيد في حق مَنْ قرأ القرآن، بل آيةً منه ثمَّ نَسِيَ ذلك، وظاهرُه يقتضي التَّحريم، فيجبُ على مَنْ وقع له ذلك أن يُبادِرَ إلى حفظِ ما نَسِيَ قليلًا قليلًا إن شَقَّ عليه الكَثْرَةُ.

قلت (١): ونسيان القرآن معدود في الكبائر. قال الرَّافعي: وللتَّوقُّفِ مجالٌ، يعني في ذلك، أي: إذا لم يكن عَن إهمالٍ وقصدٍ لذلك، ولكن استأنس النَّوويُّ رحمه اللَّه بذلك بالحديث الوارد في الوعيد، وقال: إنَّه تكلَّم فيه الترمذيُّ، أي: مِنْ جهة رواية عبد المطلب بن عبد اللَّه بن حَنْطَب، فإنه لم يسمع مِنْ أنس ولا مِنْ غيره مِنَ الصَّحابة إلا قوله: حدثني مَنْ شهِدَ خُطبةَ النَّبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-. وقد حمل الشيخ شهاب الدين أبو شامة المقدسيُّ الأحاديثَ في ذمِّ نِسيان القرآن على ترك العمل، فإنَّ النِّسيان هو التَّركُ، كقوله تعالى: {وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ} [طه: ١١٥] قال: وللقرآن حالتان، أحدهما: الشفاعة لمن قرأه ولم يَنْسَ العملَ به. الثانية: الشِكَاية لمن تركه تهاونًا به ولم يعمل بما فيه.

قال: ولا يبعُدُ أن يكونَ مَنْ تهاون به حتَّى نسي تلاوته كذلك.

وألحقَ بالدُّعاء والصَّدَقَةِ في وصول ثوابهما للميت الأضحية لعدم الفارق. والمصحَّحُ في مذهب الشافعي أنَّ الأضحيةَ لا تَصِلُ.

وحكى لي بعضُ أصحابنا أن صاحب الترجمة أشار إليه بأن يأخذ مصحفًا (٢) كان معه، فاعتذر بأنه على غير وضوء، فقال: أنا أرى أنَّك إذا تناولته بِكُمِّكَ أو بحائلٍ مع استحضار التَّعظيم، لا حرج عليك، أو نحو هذا. قال صاحبنا: فامتنعتُ مِنْ تناوله منه، واستحييتُ مِنْ مخالفته.

قلت: وقد روى الحافظُ الخطيب في ترجمة محمد بن كُزدي مما رواه محمد (٣) عن أبي بكر المرُّوذي، قال: كان أبو عبد اللَّه أحمد بن حنبل


(١) مِنْ هنا إلى قوله: "حتى نسي تلاوته كذلك" ورد في هامش (ب) بخط المصنف.
(٢) في الأصول: "مصحف"، وهي هكذا بخط المؤلف في (ح).
(٣) في (أ): "أحمد"، خطأ.