للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مع كون سِبْطي (١) استكتب منها في هذه الأيام نسخة، وفرغت أمس، وأعادها إليه، وصار يقضي العجب مِنْ ذلك، ويقول: هذا وهي وقفٌ، فلو كانت ملكًا، ماذا كان يفعل؟ قلت: يحلفُ بالطلاق، إنَّه ما اشتراها لنفسه، وإنَّما وكلَّهُ بعضُ مَنْ حلَّفه أن لا يسمِّيه. قال شيخنا: وحينئذٍ أرسلتُ إليه بنسختي، مع شدة احتياجي إليها حتى لا يتوهم فيَّ أمرًا.

قلت: وكذا اتفق أن القاضي بهاء الدِّين ابن العلامة شمس الدين ابن القطان رام أن يحدِّث بكتاب "السنن" لابن ماجه، فبلغه أن عند هذا المبهم (٢) نسخة الوقف بالخانقاه البيبرسية، وهي أصلٌ معتمد، فتوجَّه إليه مرة بعد أخرى، فما سمح له بها، فجاء صاحب التَّرجمة، وحكى ذلك له، فدفع له نسخته مع احتياجه للمراجعة منها. رحمهما اللَّه وإيانا.

وقد ضاع له بسبب ذلك شيءٌ كثير جدًّا، بحيث أخبرني في سنة إحدى وخمسين أنَّه فقد مِنْ كتبه ما ينيفُ على مائة وخمسين مجلدة، وربما بيعت في السُّوق ويشتريها، ورأينا بعد نحو عشرين سنة مِنْ وفاته شيئًا مِنْ نفائس كتبه التي كنتُ أتلهَّفُ على الوقوف عليها عند بعض مَنِ استعارها، فاستمرت عنده حتى بيعت في تركته (٣)، ومشى أمرها.

واتفق أنَّه سُرِقَ لبعض طلبته مِنْ خزانته بالمدرسة المنكوتمرية أوراقٌ مع مجلد لصاحب التَّرجمة مِنْ "شرح البخاري"، ووُجِدَ ذلك مع شخص، فأحضروه بين يديه، وأخذ بعضُ الحاضرين يلتمس منه الاعتراف بالسَّرقة، وصار شيخُنا يشيرُ لنقيبه يأمرُه بعدم الاعتراف. رحمه اللَّه وإيانا.

ومن شدَّة رغبته في العاريَّة: أن القاضي ناظرَ الجيش الزين عبد الباسط رهن عنده كتبًا في بعض نكباته، فاستأذنه شيخنا -لوفور ديانته- في إعارتها لمن لعلَّه يلتمس شيئًا منها، فأذن له، وكنت أعرفُ منها نسخةً


(١) يعني يوسف بن شاهين الكركي، المتوفي سنة ٨٩٩ هـ.
(٢) هو أبو حامد القدسي كما صرح باسمه المصنف ص ١٠٢٠ مِنْ هذا الجزء.
(٣) في (ب، ط): "مِنْ تركته".