للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

واللَّه ما مِتُّ إلَّا السَّاعة، وعاد فرقد! فجعل بكَّارُ يرشُّ عليه الماءَ وَرْدٍ ويُشمُّه الكافُورَ، ويرْفُق به ويعِدُه، إلى أن قام، فصرفه وأقبل إلى (١) أعوانه، فقال: هدَّدتموه وجرَّرْتُموه، فلو وافق أجله؟

ومنها ما أثبته، قال: دخل أبو محمد بن حمدون النَّديم مع المعتضد الزَّلَّاقة، فأمر بلقاط الرُّطَب، فلما قُدِّمَ إليه، قال للقَيِّم: ما اسم هذا اللون مِنَ الرُّطب؟ قال بَرْشُوما يا أمير المؤمنين، فأمر به فضُرِبَ ستمائة سوط، وطرح في جانب البستان، فلما قُدِّم الطَّعام، كان فيما قُدِّمَ المغمومة، فقال: يا ابن حمدون، ما اسم هذا اللَّون مِنَ الطَّبيخ؟ قال: المسرورة يا أمير المؤمنين: فقال: مَنْ علَّمك هذا؟ قال: المطروح في جانب البستان.

وسمعته يحكي عَنْ بعضهم، قال إذا تزوج الشَّيخ شابَّة، فرح صبيان الخِطَّة.

وعن بعض الولاة المغفَّلين أنَّه أُتي بمخنَّث، فقال: ما هذا؟ فقالوا: مخنَّث يُنْكَحْ كما تُنْكَحُ المرأةُ، فقال: هو يبذلُ نفسَه وأحظُرُها أنا عليه؟! اذهب يا ابن أخي فارتَدْ لاستك!.

وعن بعض المصحِّفين ممَّن قرأ كتاب بعض الولاة لنائب له في جهةٍ مِنْ جهاته، وفيه أمرُه بأن يُحصي مَنْ قِبَلَه مِنَ المُخَنَّثين، قالها بالخاء، فكادوا أن يهلكوا، لكن فرَّجَ اللَّه عنهم بالاطلاع على تصحيف اللَّفظة. قلت: ويُقال: إنَّه لم يطَّلع على تصحيفها إلَّا بعد الفعل، ولذلك قال بعضُ الشعراء:

ما رأينا ضربةً مِنْ بطلٍ ... بحسام برأت ألف قَلَمْ

بل رأينا نُقْطَةً مِنْ قَلَمٍ ... في سِجِلِّ نكَّسَتْ ألفَ عَلَمْ

وكان رحمه اللَّه إذا سمع مِنْ يصخب في البحث يحكي حكايةً فيها أن الصَّوابَ مع الأسَدِّ لا مع الأشَدِّ.

ومن لطيف حكاياته مما سمعتُه منه، قال: بينما جماعة بمصر -وأظنُّ أنَّه حكى لنا أنَّه كان فيهم- إذ جاء إليهم شخص، ولعله نشأ ببادية بعيدة وهو مذعور، وقد رأى البُلقيني وهو يدِّرسُ في حلقته بالبرقوقية، فقال:


(١) في (ب، ط): "على".