للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وعقد أحمد بن فارس (- هـ) فى كتابه «الصاحبى» بابا سماه «معانى الكلام» (١) وهى عند أهل العلم عشرة: خبر واستخبار، وأمر ونهى، ودعاء وطلب، وعرض وتحضيض، وتمن وتعجب. وبذلك يكون ابن فارس أول من أطلق مصطلح «معانى الكلام» على مباحث الخبر والإنشاء التى أصبحت فيما بعد أهم فصول علم المعانى.

[نظرية النظم]

وكان لنظرية النّظم أثر كبير فى ظهور هذا اللون من الدراسات، وللنحاة العرب يد طولى فى دراسة الكلام وتحليله والوقوف عند الجملة وما يطرأ عليها من تقديم وتأخير، أو ذكر وحذف. ولعل سيبويه (- هـ) كان من أقدم الذين وقفوا عند هذه الجوانب ودرسها بعمق فى فصول كتابه الشهير وأبوابه، ولكن سيبويه والنحاة لم يسموا هذه البحوث نظما وإنّما هى قواعد تسير عليها العرب فى كلامها أو إنشائها. ولا نستطيع أن ننسب إليهم بعد ذلك نظرية النظم التى حاول بعض المعاصرين أن يربطها بهؤلاء النحاة ربطا وثيقا ليجرد البلاغيين الأصالة والتجديد، مع إيماننا بأنّ الموضوعات التى بنيت عليها هذه الفكرة كانت نحوية محضة، وقد استفاد منها البلاغيون وطوروها وصوروها أحسن تصوير.

وإذا أردنا أن نتلمس فكرة النظم فينبغى أن نتلمسها فى كتب أخرى بعد أن رأينا ارتباطها بكتب النحو. وأقدم إشارة عثرنا عليها فى الكتب العربية عبارة ابن المقفع (- هـ) التى أشار فيها إلى صياغة الكلام. قال:

«فاذا خرج الناس من أن يكون لهم عمل وأن يقولوا قولا بديعا. فليعلم الواصفون المخبرون أنّ أحدهم وإن أحسن وأبلغ ليس زائدا على أن يكون كصاحب فصوص وجد ياقوتا وزبرجدا ومرجانا فنظمه قلائد وسموطا وأكاليل ووضع كل فص موضعه وجمع إلى كل لون شبهه مما يزيده بذلك حسنا فسمّى بذلك صائغا رقيقا، وكصاغة الذهب والفضة صنعوا فيها ما


(١) الصاحبى، ص ٢٧٩ وما بعدها.

<<  <   >  >>