للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وتنتقل إليه، ويكون برسمك، فقال: لا والله، لا أرغب عن مهاجر إبراهيم، وأستبدل به غيره، فخرج من بين يديه مكرّمًا مُعزّزًا، قد صنع له الله بما طوى عليه نيّته الصالحة من بذله نفسه في طلب حقن دماء المسلمين، فبلغه ما أراده، وكان ذلك أيضًا سببًا لتخليص غالب أسارى المسلمين من أيديهم، وردّهم على أهلهم وحفظ حريمهم، وهذا من أعظم الشجاعة والثبات وقوّة الجأش.

وأخبرني من لا أتهمه أنّ الشيخ ــ رضي الله عنه ــ حين وُشي به إلى السلطان المعظّم الملك الناصر، أحضره بين يديه، فكان من جملة كلامه: إنّني أُخبرت أنك قد أطاعك الناس، وأن في نفسك أخذ المُلك، فلم يكترث به، بل قال له بنفس مطمئنة وقلبٍ ثابت وصوتٍ عالٍ سمعه كثير ممّن حضر: أنا أفعلُ ذلك؟ والله إنّ مُلكك وملك المُغْل لا يساوي عندي فلسين، فتبسّم السلطان لذلك، وأجابه في مقابلته بما أوقع الله له في قلبه من الهيبة العظيمة: إنك والله لصادق، وإن الذي وشى بك إليّ كاذبٌ، واستقرّ له في قلبه من المحبة الدينية ما لولاه لكان قد فتك به منذ دهر طويل؛ من كثرة ما يُلقى إليه في حقّه من الأقاويل الزور والبُهتان، ممّن ظاهر حاله للطّغَام العدالة، وباطنه مشحون بالفسق والجهالة.

ولم يزل المبتدعون أهل الأهواء وآكلو الدنيا بالدين، متعاضدين متناصرين في عدوانه، باذلين وسعهم بالسعي في الفتك به، متخرّصين عليه الكذب الصُراح، مختلقين عليه، وناسبين إليه ما لم يقله ولم ينقله، ولم يوجد له به خط، ولا وجد له في تصنيف ولا فتوى، ولا سُمع منه في مجلس. أتراهم ما علموا أنّ الله سائلهم عن ذلك ومحاسبهم عليه؟ أوَ ما

<<  <   >  >>