للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وحيث كُتِب، وهو قرآن واحد وكلام [واحد] وإن تنوَّعت الصور التي يُتْلَي بها ويكتب من أصوات العباد ومدادهم، فإن الكلام كلام من قاله مبتدئًا، لا كلام من بلغه مؤديًا، فإن سمعنا محدثًا يحدث بقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إنما الأعمال بالنيات» قلنا: هذا كلام رسول الله لفظه ومعانيه، مع عِلْمنا أن الصوت صوت المبلِّغ لا صوت رسول الله، وهكذا كل من بلَّغ كلامَ غيره من نظم ونثر.

ونحن إذا قلنا: هذا كلام الله، لِمَا نسمعه من القارئ من قراءةٍ في المصحف فالإشارة إلى الكلام من حيث هو هو مع قطع النظر عما اقترن به البلاغ من صوت المبلغ ومِداد الكاتب، فمن قال: صوت القارئ ومداد الكاتب كلام الله الذي ليس بمخلوق فقد أخطأ، وهذا الفرق الذي بيَّنه الإمام أحمد لمن سأله وقد قرأ: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: ١] فقال: هذا كلام الله غير مخلوق؟ فقال: نعم، فنقل السائل عنه أنه قال: لفظي بالقرآن غير مخلوق، فدعا به أحمد وزبره زَبْرًا شديدًا وطلب عقوبته وتعزيره وقال: أنا قلت لك: لفظي بالقرآن غير مخلوق؟ فقال: لا ولكن قلت لي لما قرأت: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} هذا كلام الله غير مخلوق، فقال: فلِمَ تنقل عني ما لم أقله؟ ! فبيَّن الإمام أحمد أن القائل إذا قال ــ لما يسمعه من المبلغين والمؤدِّين ــ: هذا كلام الله، فالإشارة إلى الحقيقة التي تكلم بها الله وإن كنا إنما سمعناها ببلاغ المبلغ وحركته وصوته، فإذا أشار إلى شيءٍ من صفات المخلوق لفظه أو صوته أو فعله، وقال: هذا غير مخلوق، فقد ضل وأخطأ، فالواجب أن يقال: القرآن كلام الله غير مخلوق، والقرآن في المصاحف كما أن سائر الكلام في الصُّحُف، ولا يقال: إن شيئًا من المداد والورق غير مخلوق، بل كل ورق ومِداد في العالم فهو مخلوق، ويقال أيضًا: القرآن الذي في المصحف كلام الله غير مخلوق والقرآن الذي يقرؤه المسلمون كلام الله غير مخلوق.

<<  <   >  >>