للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المنبجي، والجاشنكير، يتربصان من يغتاله، وفي هذه الحال جاء عنده بعد أيام شمس الدِّين بن سعد الدِّين الحراني، وأخبره أنهم يسفرونه إلى الإسكندرية وجاءت المشايخ التدامرة وأخبروه بذلك، وقالوا له: كل هذا يعملونه حتى توافقهم، وهم عاملون على قتلك، أو نفيك، أو حبسك، فقال لهم: أنا إن قتلت كانت لي شهادة، وإن نفوني كانت لي هجرة، ولو نفوني إلى قبرص دعوت أهلها إلى الله وأجابوني، وإن حبسوني كان لي معبدًا، وأنا مثل الغنمة كيفما تقلبت، تقلبت على صوف، فيئسوا منه وانصرفوا.

وما هي إلا شهور ويتولى الملك الناصر محمد بن قلاوون سنة ٧٠٩ فأفرج عن الشيخ واستدعاه للقاهرة، وقتل الجاشنكير شَرَّ قِتْلة، وَحَمَلَ نصرًا المنبجي ومات في زاويته. وأراد الناصر أن ينتقم من القضاة والفقهاء الذين كانوا يوالون الجاشنكير، فاستفتى شيخ الإسلام ابن تيمية، ففهم الشيخ مقصوده، فشرع في مدحهم والثناء عليهم، وأنهم لو ماتوا لم تجد مثلهم في دولتك، أما أنا فهم في حل من جهتي.

وكان القاضي ابن مخلوف المالكي يقول بعد ذلك:

«ما رأينا أتقى من ابن تيمية، لم نُبْق ممكنًا في السعي فيه، ولما قدر علينا عفا عنا». عندئذٍ نزل الشيخ القاهرة، وسكن بالقرب من مشهد الحسين، والخلق على اختلاف طبقاتهم يترددون عليه وهو يقول: «أنا أحللت كل من آذاني»، «ومن آذى الله ورسوله فالله ينتقم منه».

وحصل له من الإجلال والتعظيم ما يطول وصفه، وبَسَطَه ابن كثير في سنوات ٧٠٩ - إلى سنة ٧١٢.

<<  <   >  >>