للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فها هو مات عنكم واسترحتم ... فعاطوا ما أردتم أن تُعاطوا

وحلوا واعْقِدوا من غير ردٍّ ... عليكم وانطوى ذاك البساط

وكنت اجتمعت به ــ رحمه الله تعالى ــ بدمشق سنة خمس عشرة وسبعمائة بمسجده بالقصاعين، وبحثت بين يديه في فقهٍ وتفسيرٍ ونحو، فأعجبه كلامي وقبَّل وجهي وإني لأرجو بركة ذلك، وحكى لي عن واقعته المشهورة في جبل كسروان، وسَهِرت عنده ليلة، فرأيت من فتوّته ومروءَته ومحبَّته لأهل العلم ولا سيما الغرباء منهم أمرًا كثيرًا، وصلَّيت خلفه التراويح في رمضان فرأيت على قراءته خشوعًا، ورأيت على صلاته رِقَّةَ حاشيةٍ تأْخذ بمجامع القلوب.

مولده ــ رحمه الله ورحمنا به (١) ــ بحرّان يوم الاثنين عاشر ربيع الأول سنة إحدى وستين وست مئة، هاجر والده به وبإخوته إلى الشَّام من جَوْر التتر، وعني الشَّيخ تقي الدِّين بالحديث، ونسخ جملةً، وتعلم الخط والحساب في المكتب، وحفظ القرآن، ثمَّ أقبل على الفقه، وقرأ أيامًا في العربية على ابن عبد القوي، ثمَّ فهمها، وأخذ يتأمَّل كتاب سيبويه حتَّى فهمه، وبرع في النحو، وأقبل على التّفسير إقبالًا كلِّيًّا حتَّى سبق فيه، وأحكم أُصول الفقه، كل هذا وهو ابن بضع عشرة سنة، فانبهر الفضلاء من فرط ذكائه وسيلان ذهنه وقوة حافظته وإدراكه، ونشأ في تصوُّن تامٍّ وعفاف وتعبُّد واقتصاد في الملبس والمأكل.

وكان يحضر المدارس والمحافل في صغره، فيناظر ويفحم الكبار ويأتي


(١) هذا من التوسل الممنوع.

<<  <   >  >>