للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقال القاضي أبو الفتح بن دقيق العيد: لما اجتمعت بابن تَيْميَّة رأيت رجلًا كل العلوم بين عينيه يأْخذ ما يريد ويدع ما يريد. وحضر عنده شيخ النحاة أبو حيَّان وقال: ما رأت عيناي مثله. وقال فيه على البديهة أبياتًا منها:

قامَ ابن تيميَّة في نصر شِرْعتنا ... مقام سيِّد تَيْم إذ عَصَتْ مُضَر

فأظهر الحقَّ إذ آثاره دَرَست ... وأخْمد الشرَّ إذ طارت له الشرر

كنا نُحدَّث عن حَبْرٍ يجيء فها ... أنت الإمام الذي قد كان يُنْتظر

ولما جاء السلطان إلى شَقْحب والخليفة لاقاهما إلى قرن الحرة، وجعل يثبتهما، فلما رأى السلطان كثرة التَّتار قال: يا خالد بن الوليد! قال: قل: يا مالك يوم الدِّين إياك نعبد وإياك نستعين، وقال للسلطان: اثبت فأنت منصور. فقال له بعض الأمراء: قل: إن شاء الله. فقال: إن شاء الله تحقيقًا لا تعليقًا. فكان كما قال». انتهى ملخصًا (١).

وهو أكبر من أن ينبه مثلي على نعوته، فلو حلفت بين الركن والمقام لحلفت: أني ما رأيت بعيني مثله ولا رأى هو مثل نفسه في العلم، وكان فيه قلَّة مداراة وعدم تؤدة غالبًا، ولم يكن من رجال الدول ولم يسلك معهم تلك النواميس، وأعان أعداءه على نفسه بدخوله في مسائل كبار لا تحتملها عقول أبناء زماننا ولا علومهم، كمسألة: التكفير في الحلف بالطلاق، ومسألة: أنَّ الطلاق بالثلاث لا يقع إلَّا واحدة، وأنَّ الطلاق في الحيض لا يقع، وساس نفسه سياسة عجيبة فحبس مرات بمصر ودمشق والإسكندرية، وارتفع وانخفض واستبد برأيه وعسى أنْ يكون ذلك كفارة له، وكم وقع في صعب


(١) أي كلام ابن فضل الله العمري.

<<  <   >  >>