للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

العلماء مجلُوّة نُصْب عيانه. لم أرَ أنا ولا غيري مثل استحضاره، ولا مِثل سَبْقه إلى الشواهد وسُرعة إحضاره، ولا مِثل عَزْوه الحديث إلى أصله الَّذي فيه نقطة مداره. وأمّا علم الأصليْن فقهًا وكلامًا، وفهمًا وإعلامًا، فكان عجبًا لمن يسمعه معجزًا لمن يَعُدّ ما يأتي به أو يجمعه.

يُنزِّل الفروع منازلها من أصولها، ويردُّ القياسات إلى مآخذها من محصولها.

وأما الملل والنحل، ومقالات أرباب البِدَع الأُوَل، ومعرفة أرباب المذاهب، وما خُصّوا به من الفتوحات والمواهب؛ فكان في ذلك بحرًا يتموَّج، وسَهمًا ينفذُ على السواء لا يتعوَّج.

وأمّا المذاهب الأربعة فإليه في ذلك الإشارة، وعلى ما ينقله الإحاطة والإدارة.

وأما نقل مذاهب السلف، وما حدث بعدهم من الخلف؛ فذاك فنُّه، وهو في وقت الحرب مِجَنُّه، قلّ أنْ قَطَعه خصمُه الَّذي تصدّى له وانتصب، أو خلص منه مُناظره إلّا وهو يشكو من الأيْن والنَصَب.

وأما التفسير فَيَدُه فيه طولى، وسَرْدُه فيه يجعل العيون إليه حُوْلى.

إلَّا أنّه انفرد بمسائل غريبة، ورجَّح فيها أقوالًا ضعيفة عند الجمهور معيبة (١)، كَادَ منها يقع في هُوّة، ويسلمُ منها لما عنده من النّية المرجوة. والله يعلم قصْده وما يترجّحُ من الأدلة عنده.


(١) سبق التعليق على مثل هذه العبارات.

<<  <   >  >>