للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وبستاني في صدري، أين رحت فهي معي، لا تفارقني، أنا حبسي خَلْوة، وقتلي شهادة، وإخراجي من بلدي سياحة.

وكان في حبسه في القلعة يقول: لو بذلت ملء هذه القلعة ذهبًا ما عدل عندي شكر هذه النعمة ــ أو قال: ما جزيتهم على ما تسببوا لي فيه من الخير ــ ونحو هذا.

وكان يقول في سجوده، وهو محبوس: اللهم أعنِّي على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، ما شاء الله.

وقال مرة: المحبوس من حُبِس قلبُه عن ربِّه، والمأسور من أسره هواه، ولما دخل إلى القلعة، وصار داخل سورها نظر إليه، وقال: {بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ (١٣) يُنَادُونَهُمْ} [الحديد: ١٣].

قال شيخنا: وعلم الله ما رأيت أحدًا أطيب عيشًا منه قط، مع ما كَانَ فيه من الحبس والتهديد والإرجاف، وهو مع ذلك أطيب النَّاس عيشًا، وأشرحهم صدرًا، وأقواهم قلبًا، وأسرُّهم نفسًا، تلوح نضرة النعيم على وجهه، وكنا إذا اشتد بنا الخوف وساءت بنا الظنون، وضاقت بنا الأرض: أتيناه، فما هو إلَّا أن نراه، ونسمع كلامه، فيذهب عنا ذلك كله، وينقلب انشراحًا وقوة ويقينًا وطمأنينة. فسبحان من أشهد عباده جنته قبل لقائه! وفتح لهم أبوابها في دار العمل! فأتاهم من رَوحها ونسيمها وطيبها ما استفرغ قواهم لطلبها، والمسابقة إليها اهـ.

وأما تصانيفه - رحمه الله -: فهي أشهر من أن تُذْكَر، وأعرف من أن تُنْكَر. سارت مسير الشمس في الأقطار، وامتلأت بها البلاد والأمصار. قد جاوزت

<<  <   >  >>