للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كنت منتظرًا لذلك، وهذا فيه خير كثير! وركب وهو معه إلى القلعة فأخليت له دار، وأجري له فيها الماءُ، وأقام معه أخوه زين الدِّين يخدمه بإذن السلطان، ورُسم له بما يقوم بكفايته. وكان سبب هذه الكائنة فتوى وُجِدت بخطّه في المنع من السفر وإعمال المطيّ إلى زيارة قبور الأنبياء والصالحين، وفتوى في أنَّ الطلاق الثلاث بكلمة يُرَدُّ إلى واحدة.

وفي يوم الأربعاء منتصف شعبان، أمر قاضي القضاة جلال الدِّين القزوينيّ بحبس جماعة من أصحابه بسجن الحكم. وكان ذلك بإشارة تنكز نائب الشام. وعزّر جماعة على دوابّ ونودي عليهم، ثمَّ أطلقوا إلَّا شمس الدِّين ابن قيّم الجوزية، فإنه حُبِس بالقلعة.

وفي يوم الاثنين تاسع عشر جمادى الآخرة سنة ثمان وعشرين وسبعمائة، أخرج ما كَانَ قد اجتمع عند ابن تَيْمِيَّة بالمكان الَّذي هو فيه معتقل بقلعة دمشق من الكتب والكراريس والأوراق، ومن دواة وأقلام، ومُنع من الكتابة وقراءة الكتب وتصنيف شيءٍ من العلوم البتّةَ. وحُملت في مستهلّ شهر رجب من القلعة إلى مجلس الحكم، فوضعت بخزانة في المدرسة العادليّة وكانت أكثر من ستّين مجلّدًا وأربع عشرة ربطة كراريس. فنظر القضاة والفقهاءُ فيها، وتفرّقت في أيديهم. وكان سببُ هذا أنَّه وُجد له جوابٌ عمّا ردّه عليه القاضي المالكيّ بديار مصر، وهو زين الدِّين ابن مخلوف، فأُعلم السلطان بذلك فشاور القضاةَ فأشاروا بهذا.

ولم يزل بالقلعة حتَّى مات يوم الاثنين العشرين من ذي القعدة سنة ثمان وعشرين وسبعمائة. فحضر جمع كبير إلى القلعة، وأذن لبعضهم في الدخول وغُسّل وصلّي عليه بالقلعة. ثمَّ حُمل على أصابع الرجال، وأتَوا بنعشه من

<<  <   >  >>