للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

جمعة شيئًا من الصفات، فقام بعض المخالفين، وسعوا في منعه من الجلوس، فلم يمكنهم ذلك.

وقال قاضي القضاة شهاب الدِّين بن الخُويِّيّ: أنا على اعتقاد الشَّيخ تقي الدين، فعوتب في ذلك. فقال: لأن ذهنه صحيح، وموادَّه كثيرة. فهو لا يقول إلَّا الصحيح، فقال الشَّيخ شرف الدِّين المقْدِسِيّ: أَنا أرجو بركته ودعاءه، وهو صاحبي وأخي، ذكر ذلك البرزالي في «تاريخه».

وشرع الشَّيخ في الجمع والتصنيف من دون العشرين، ولم يزل في علُوٍّ وازدياد من العلم والقدر إلى آخر عمره.

قال الذَّهبيّ في «معجم شيوخه»: برع في تفسير القرآن، وغاص في دقيق معانيه بطبع سيال، وخاطر إلى مواقع الإشكال ميَّال، واستنبط منه أشياء لم يُسْبَق إليها. وبرع في الحديث وحفظه، فقلَّ من يحفظ ما يحفظه معزوًّا إلى أصوله وصحابته، مع شدة استحضار له وقت إقامة الدليل، وفاق الناس في معرفة الفقع واختلاف المذاهب، وفتاوي الصَّحابة والتابعين، بحيث إنَّه إذا أفتى لم يلتزم بمذهب بل بما يقوم دليله عنده، وأتقن العربية أصولًا وفروعًا وتعليلًا واختلافًا، ونظر في العقليات، وعرف أقوال المتكلمين، وَرَدّ عليهم، ونبه على أخطائهم، وحذَّر منهم، ونصر السنة بأوضح حجج وأبهر براهين.

وأُوذي في ذات الله من المخالفين، وأخيف في نصر السنة المحضة، حتى أعلى الله مناره، وجمع قلوب أهل التقوى على محبته والدعاء له، وكَبتَ أعداءه، وهدى به رجالًا من أهل الملل والنحل، وجبل قلوب الملوك والأمراء على الانقياد له غالبًا، وعلى طاعته، وأحيا به الشَّام، بل الإسلام، بعد أن كاد ينثلم بتَثْبِيتِ أولي الأمر لمّا أقبل حزب التتر والبغي في خيلائهم،

<<  <   >  >>