للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يقتلك الحق مت شهيدًا، وإن عشت عشت حميدًا، فَقَوِيَ قلبي.

قال محمد بن إبراهيم: جعلوا يذاكرون أبا عبد الله بالرقةِ في التقية، وما رُوي فيها، فقال: كيف تصنعون بِحَدِيثِ خَبَّابٍ؟ «كَانَ الرَّجُلُ فِيمَنْ قَبْلَكُمْ يُحْفَرُ لَهُ فِي الْأَرْضِ فَيُجْعَلُ فِيهِ، فَيُجَاءُ بِالْمِنْشَارِ فَيُوضَعُ عَلَى رَاسِهِ فَيُشَقُّ بِاثْنَتَيْنِ، وَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ، وَيُمْشَطُ بِأَمْشَاطِ الْحَدِيدِ مَا دُونَ لَحْمِهِ مِنْ عَظْمٍ، أَوْ عَصَبٍ، وَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ» (١). فأيسنا منه، وقال: لست أبالي بالحبس؛ ما هو ومنزلي إلا واحد، ولا قتلًا بالسيف، إنما أخاف فتنة السوط، فسمعه بعض أهل الحبس فقال: لا عليك يا أبا عبد الله، فما هو إلا سوطان ثم لا تدري أين يقع الباقي، فكأنه سُرِّيَ عنه.

قال صالح بن أحمد: قال أبي: فلما صرنا إلى أذنه (٢) ورحلنا منها في جوف الليل وفتح لنا بابها إذا رجل قد دخل فقال: البشرى، قد مات الرجل - يعني المأمون -، قال أبي: وكنت أدعو الله أن لا أراه، وبقي أحمد محبوسًا بالرقة حتى بويع المعتصم إثر موت أخيه، وقد أمر بتعذيبه، وجلده بالسياط حتى أُغمي عليه عدة مرات، قال صالح: ثم خُلِّيَ عنه فصار إلى منزله، وكان مُكْثُهُ في السجن منذ أُخِذَ إلى أن ضرب: ثمانية وعشرين شهرًا.

ومن أخلاقه العظيمة: عفوه وتسامحه حتى مع أشد خصومه


(١) «صحيح البخاري» (برقم ٣٦١٢).
(٢) بلد مشهور من الثغور قرب المصيصه.

<<  <  ج: ص:  >  >>