للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في شيئين: الأول سببه، والآخر أثره.

فأما اختلاف الصحابة، فإنما كان عن ضرورة واختلاف طبيعي منهم في الفهم، لا اختيارًا منهم للخلاف، يضاف إلى ذلك أمور أخرى كانت في زمنهم استلزمت اختلافهم ثم زالت من بعدهم، ومثل هذا الاختلاف لا يمكن الخلاص منه كليًّا، ولا يلحق أهله الذم الوارد في الآيات السابقة وما في معناها، لعدم تحقق شرط المؤاخذة وهو القصد أو الإصرار عليه.

وأما الاختلاف القائم بين المقلدة، فلا عذر لهم فيه غالبًا، فإن بعضهم قد تبين له الحجة من الكتاب والسنة، وأنها تؤيد المذهب الآخر الذي لا يتمذهب به عادة فيدعها لا لشيء إلا لأنها خلاف مذهبه، فكأن المذهب عنده هو الأصل، أو هو الدين الذي جاء به محمد - صلى الله عليه وسلم -، والمذهب الآخر هو دين آخر منسوخ.

وآخرون منهم على النقيض من ذلك، فإنهم يرون هذه المذاهب - على ما بينها من اختلاف واسع- كشرائع متعددة؛ كما صرح بذلك بعض متأخريهم (١): لا حرج على المسلم أن يأخذ من أيها شاء، ويدع ما شاء، إذ الكل شرع! وقد يحتج هؤلاء وهؤلاء على بقائهم في الاختلاف بذلك الحديث الباطل: «اختلاف أمتي رحمة»، وكثيرًا ما سمعناهم يستدلون به على ذلك.

ويعلل بعضهم هذا الحديث ويوجهونه بقولهم: إن الاختلاف


(١). انظر: فيض القدير للمناوي (١/ ٢٠٩)، أو سلسلة الأحاديث الضعيفة (١/ ٧٦ - ٧٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>