للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال ابن القيم رحمه الله: إنكار المنكر له أربع درجات: الأولى أن يزول ويخلفه ضده أي المعروف، الثانية أن يقل: أي المنكر وإن لم يزل من جملته. الثالثة: أن يخلفه ما هو مثله، الرابعة أن يخلفه ما هو شر منه، فالدرجتان الأوليان مشروعتان، والثالثة موضع اجتهاد، والرابعة محرمة (١).

ومن النماذج المشرقة للآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر ما نقله الذهبي في السير عن شجاع بن الوليد قال: كنت أحج مع سفيان الثوري فما يكاد لسانه يفتر من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ذاهبًا وراجعًا (٢).

وينقل عنه أنه كان يقول: إني لأرى الشيء يجب عليَّ أن أتكلَّم فيه فلا أفعل، فأبول أكدم دمًا (٣)، ونقل الذهبي عن الحافظ عبد الله المقدسي أنه كان لا يرى منكرًا إلا غيَّره بيده أو بلسانه، وكان لا تأخذه في الله لومة لائم، قد رأيته مرة يهريق خمرًا فجبذ صاحبه السيف فلم يخف منه، وأخذه من يده، وكان قويًّا في بدنه، كثيرًا ما كان بدمشق ينكر ويكسر الطنابير والشبابات (٤).

قال الإِمام النووي: واعلم أن هذا الباب، أعني باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قد ضيع أكثره من أزمان متطاولة، ولم يبق منه في هذا الزمان إلا رسوم قليلة جدًّا، وهو باب عظيم به قوام الأمر وملاكه، وإذا كثر الخبث عم العقاب الصالح والطالح، وإذا لم يأخذوا على يد الظالم أوشك أن يعمهم الله تعالى بعقابه: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ


(١) إعلام الموقعين (٣/ ٤، ٥).
(٢) السير للذهبي (٧/ ٢٥٩).
(٣) السير للذهبي (٧/ ٢٥٩).
(٤) السير للذهبي (٢١/ ٤٥٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>