للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثُمَّ رَتَعَتْ؛ وَإِنَّ هَذَا الْمَالَ خَضِرٌ حُلْوٌ، وَنِعْمَ صَاحِبُ الْمُسْلِمِ هُوَ: لِمَنْ أَعْطَى مِنْهُ الْمِسْكِينَ، وَالْيَتِيمَ، وَابْنَ السَّبِيلِ (أَوْ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم)؛ وَإِنَّهُ مَنْ يَاخُذُهُ بِغَيْرِ حَقِّهِ، كَانَ كَالَّذِي يَاكُلُ وَلَا يَشْبَعُ، وَيَكُونُ عَلَيْهِ شَهِيدًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ» (١).

قال الحافظ ابن رجب: فهذا مثل من يأخذ من الدنيا بِشَرَهٍ وجوع نفس من حيث لاحَتْ له، لا بقليل يقنع ولا بكثير يشبع، ولا يحلل ولا يحرم، بل الحلال عنده: ما حل بيده وقدر عليه، والحرام عنده: ما منع منه وعجز عنه، فهذا هو المتخوض في مال اللَّه ورسوله فيما شاءت نفسه، وليس له إلا النار يوم القيامة؛ وفي هذا تنبيه على أن من تخوَّض من الدنيا في الأموال المحرَّم أكلها: كمال الربا، ومال الأيتام، والمال المغصوب، والسرقة، والغش في البيوع، وغير ذلك، فكل هذه الأموال وما أشبهها: يتوسع بها أهلها في الدنيا، ويتلذذون بها، ويتوصلون بها إلى لذات الدنيا وشهواتها؛ ثم ينقلب ذلك بعد موتهم، فتصير جمرًا من جمر جهنم في بطونهم، فما تفي لذتها بتبعتها، قال الشاعر:

تَفْنَى اللَّذاذَةُ ممَّن نَالَ لَذَّتَهَا ... مِنَ الحَرامِ وَيَبْقَى الإِثْمُ والعَارُ

تَبقَى عَواقِبُ سُوءٍ من مَغَبَّتِها ... لَا خَيْرَ فِي لَذَّةٍ مِن بَعْدِها النارُ

فلهذا شبَّه النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم من يأخذ الدنيا بغير حقها ويضعها في غير حقها: بالبهائم الراعية من خضراء الربيع حتى تنتفخ بطونها من أكله،


(١) صحيح مسلم ص: ٤٠٣ برقم ١٠٥٢، وصحيح البخاري ص: ١٢٣٤ برقم ٦٤٢٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>