للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقول البحتري:

هل الدهر إلّا غمرة وانجلاؤها ... وشيكا، وإلا ضيقة وانفراجها؟

وقول آخر:

فما ترجى النفوس من زمن ... أحمد حاليه غير محمود؟

فالاستفهام في جميع هذه الأبيات قد خرج عن معناه الأصلي إلى النفي الذي يستفاد من سياق الكلام.

[٢ - التعجب]

كقوله تعالى: مالِ هذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْواقِ؟ وقوله تعالى على لسان سليمان عليه السّلام: ما لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ؟، فالغرض من هذا السؤال هو التعجب، لأن الهدهد كان لا يغيب عن سليمان إلا بإذنه، فلما لم يبصره تعجب من حال نفسه وعدم رؤيته. والمتعجب منه في الحقيقة هو غيبة الهدهد من غير إذن. ووجه خروج الاستفهام إلى التعجب أن السؤال عن السبب في عدم الرؤية يستلزم الجهل بذلك السبب، والجهل بسبب عدم الرؤية يستلزم التعجب.

ومن أمثلته في شعر المتنبي، قوله حينما صرع بدر بن عمار أسدا:

أمعفّر الليث الهزبر بسوطه ... لمن ادخرت الصارم المسلولا؟ (١)

وقوله وقد أصابته الحمّى:

أبنت الدهر عندي كل بنت ... فكيف وصلت أنت من الزحام؟

وقوله في سيف الدولة وقد أصابته علّة:

وكيف تعلّك الدنيا بشيء ... وأنت لعلة الدنيا طبيب؟

وكيف تنوبك الشكوى بداء ... وأنت المستغاث لما ينوب؟

وقوله أيضا:


(١) عفره: مرغه في التراب، والليث الهزبر: الأسد الشديد، والصارم: السيف القاطع، يقول: إذا كنت تصرع الأسد القوي بالسوط فلمن إذن
أعددت سيفك القاطع؟

<<  <   >  >>