للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

• وجه هذا القول:

أن تحية المسجد شرعت لتعظيم المسجد وحرمته، ففي أي وقت صلاها حصل المقصود.

ولو دخل المسجد يريد أن يعمل عملًا أو يتحدث مع أحد، فظل واقفًا فإنه مخاطب بتحية المسجد؛ لأنه لا مفهوم لقوله: (فلا يجلس).

ولو جلس، وأراد أن يصلي تحية المسجد جالسًا، صحت منه تحية المسجد، فلا مفهوم لقوله في الحديث: (فلا يجلس) (١).

ولأن الاحتجاج بقيد الجلوس في الحديث (فلا يجلس حتى يصلي ركعتين) من الاحتجاج بالمفهوم، وليس بحجة عند الحنفية مطلقًا، كما أنه ليس بحجة إجماعًا إذا خرج مخرج الغالب.

ويستدل لهذا القول بحديث جابر في قصة سليك الغطفاني فإنه جلس قبل أن يصلي، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم بالقيام، والصلاة ركعتين، والحديث في مسلم، وإن كان الحنفية لا يرون صلاة تحية المسجد، والإمام يخطب، ويجيبون عن حديث جابر بأجوبة سوف نتعرض لها بالبحث إن شاء الله تعالى في فصل مستقل.

وأجاب من قال: إن تحية المسجد سببها الجلوس عن حديث جابر حيث أمر الرسول صلى الله عليه وسلم سليكًا الغطفاني بتحية المسجد بعدما جلس بأن الجالس كان جاهلًا والفاصل قصيرًا، فلو جلس، وطال الفصل لم يؤمر بها، وقد فاتت.

• ويرد عليهم:

بأن حديث جابر ليس فيه ما يدل على هذا، ولا فيه ما ينفيه، والأصل أن الإنسان إذا كان مخاطبًا بالعبادة فإنه يؤمر بها حتى يفعلها، وحديث تحية المسجد فيه أمر ونهي، أمر بصلاة ركعتين، ونهي عن الجلوس قبل ذلك،

فرواه البخاري ومسلم بلفظ: إذا دخل أحدكم المسجد فليركع ركعتين قبل أن يجلس (٢).


(١). وخالف الشافعية، فقالوا: يجب أن يحرم بتحية المسجد قائمًا؛ لأنه لو جلس عامدًا قبل الإحرام بها فاتت، انظر الأشباه والنظائر للسيوطي (ص: ٤٣٨).
(٢). صحيح البخاري (٤٤٤)، وصحيح مسلم (٦٩ - ٧١٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>