للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إذا لم يكن هناك قرينة تدل على الوجوب فهو للندب؛ لأن الأصل عدم التأثيم بتركه.

وإن كنت أميل إلى قول الجمهور، وأن الأصل في الأمر للوجوب إلا أن هذه القاعدة أغلبية، وليست كلية، فلا يعترض عليها بوجود بعض الأوامر خرجت عن هذه القاعدة، لأن هذا سبيل القواعد، وخروج بعض القواعد عن هذه القاعدة لا يسقطها، وعلى المجتهد ألا يتشدد في الصوارف، فكل قرينة لفظية أو معنوية صالحة لصرف الأمر عن الوجوب قد تصرف الأمر من الوجوب إلى الاستحباب إذا كان على ذلك فهم أكثر الأمة، خاصة المتقدمون منهم، ومن أقوى الصوارف تلمس عمل السلف وفهمهم لهذه الصيغة، فالاستدلال بمجرد صيغة الأمر والنهي لا يمكن الاستناد إليها مجردة من فهم السلف، وعملهم، إلا لو كانت صيغة الأمر لا تأتي إلا للوجوب، أما إذا كانت صيغة الأمر تأتي للوجوب وللندب، ولو كان الوجوب أرجح من الندب، فإن فهم السلف وأقوالهم إذا لم يجعلوها للوجوب فهي قرينة صارفة عن الوجوب إلى غيره، فالقول بالوجوب لا يعلم أحد قال به من الصحابة، ولا من التابعين، ولا من تابعي التابعين، بل لا يعلم القول به قبل داود الظاهري، فكان محجوجًا بالإجماع قبله، ولو جاز خرق الإجماع بالخلاف الحادث بعده لم يستقم للأمة إجماع، ولم يكن حجة.

فإن قيل: داود الظاهري معاصر للإمام أحمد، ومن تلاميذ إسحاق بن راهويه، وإذا قبلنا ما يتفرد به الإمام أحمد، فليقبل ما يتفرد به الإمام داود الظاهري، خاصة أن ظاهر الحديث، والقواعد لا تدفع قول الإمام داود.

فالجواب: المقارنة بين الإمام أحمد وداود ليست منصفة، فإن الإمام أحمد لا يقول بقول إلا له إمام، ومفرداته هي مفردات اصطلاحية من جهة مقارنتها بالأئمة الأربعة، ودائرة الفقه أوسع من الأئمة الأربعة، لهذا غالب مفردات الإمام أحمد تجدها متفقة مع أقوال كثير من أهل الحديث، بل قد تجد مفردات الإمام أحمد متفقة مع روايات غير مشهورة عن بعض الأئمة الأربعة، لأن الاصطلاح في التفرد: هو ما خالف فيه إمام من الأئمة الأربعة المعتمد في مذاهب بقية الأئمة الأربعة، حتى ولو اتفق مع روايات أخرى لهم غير مشهورة، ومشهور المذهب

<<  <  ج: ص:  >  >>