للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هو فرز اصطلاحي لما نصره أصحاب ذلك المذهب، وقد يكون هو الراجح وقد لا يكون، كما أن للإمام أحمد عناية بآثار الصحابة والتابعين ما ليس للإمام داود، فكان الإمام داود عليه رحمة الله يتعامل مع النص في معزل عن فهم السابقين، وهذه سمة بارزة في منهج الظاهرية، والعمل له أثر قوي في فهم دلالة النص وتخصيصه، أو حمله على أحد معانيه المشتركة، وقد يكون للكلمة دلالة شرعية قدمها الفقهاء على دلالتها اللغوية، والنزعة الظاهرية هي ما جعلت بعض مشايخنا يتعامل مع حديث (أعفوا اللحى) في معزل عن فهم السابقين فوقع كثير منهم فيما يقع فيه بعض أهل الظاهر، ففهموا من النص تحريم الأخذ من اللحية مطلقًا، ولم يقل به أحد من السلف، وقد فهم الصحابة من حديث الإعفاء المنع من الحلق، وليس تحريم الأخذ، فآثرت فهم الصحابة والتابعين والأئمة المتبوعين على فهم علمائنا من أهل بلدتنا، وإن أساء فهمي بعض أصحابنا وتكلموا في حقي، وخرجوا من الخلاف الفقهي إلى الإفراط في الجرح، وقد عذرتهم لعلمي أن الباعث عند كثير منهم غيرتهم وإن أخطئوا الاجتهاد حسب فهمي، وبعد أن هدأت العاصفة، وأفاق بعضهم من الصدمة رجع كثير من أهل الفتوى من الأقران إلى القول بجواز الأخذ من اللحية، فالحمد لله على توفيقه، والله أعلم.

وقد يقال: بأن الإجماع لو انعقد لم يخرق بأي خلاف، لا من داود، ولا من غيره، ولكن أين حكاية الإجماع قبل داود، فالإجماع القطعي لا يمكن الجزم به، والظاهر لي أن الإجماع في هذه المسألة هو من قبيل الإجماع السكوتي، وهو حجة على الصحيح، إلا أنه ليس قطعيًّا، ولا يعتبر من يخالفه مخالفًا للإجماع؛ لأن دلالته على الإجماع ظنية، وهو حسبي في الاحتجاج على سنية تحية المسجد، والله أعلم.

الجواب الثاني:

الصارف عن الوجوب عند ابن حزم، قول النبي صلى الله عليه وسلم لضمام بن ثعلبة حين سأله عما يجب عليه من الصلاة، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: الصلوات الخمس، فقال: هل علي يرها؟ قال: لا، إلا أن تطوع.

فنفى وجوب ما زاد على الخمس، وأثبته تطوعًا، وتحية المسجد زائدة على

<<  <  ج: ص:  >  >>