للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأسباب، فهذا إذا لم يكن من نفل الحج أو العمرة فيجوز، لحديث عائشة السابق ( ... أهدي لنا حيس، فقال صلى الله عليه وسلم لعائشة: أرينيه، فلقد أصبحت صائمًا، رواه مسلم (١).

ومثله إذا أحدث الرجل باختياره، وهو على طهارة، فإنه لا يحرم عليه إبطال الوضوء؛ لأن إخراج الريح فيه مصلحة للبدن.

وإذا كان النفل لا يلزم ابتداؤه، لم يلزم إتمامه؛ لأن لزوم الإتمام فرع عن لزوم الابتداء، إلا نفل الحج والعمرة فهذا خاص بهما.

الصورة الرابعة: إبطال واجب، كأن يقضي الشارع بإبطال العمل، كما لو صام اليوم الثلاثين ظانًّا أنه من رمضان، ثم جاء خبر برؤية الهلال في أثناء اليوم، فإن الصيام يبطل.

الصورة الخامسة: إبطال مكروه، وهو إبطال النفل بعد الشروع فيه بلا سبب، ولا مصلحة، فهذا لا يمنع منه، ولكنه خلاف الأولى.

فهذه صور خمس يختلف فيها حكم إبطال العمل من صورة إلى أخرى، فكان النهي عن إبطال العمل في قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد: ٣٣]، أي لا تبطلوها بمعصية الله ورسوله؛ لأن الآية أمرت بطاعة الله وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم، ونهت عن المعصية المؤدية إلى إبطال العمل.

جاء في تفسير الطبري بإسناده عن قتادة، قوله {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد: ٣٣]، من استطاع منكم أن لا يبطل عملًا صالحًا عمله بعمل سيئ فليفعل، ولا قوة إلا بالله، فإن الخير ينسخ الشر، وإن الشر ينسخ الخير، وإن ملاك الأعمال خواتيمها (٢).

الوجه الثالث:

لو سلمنا أن الآية يقصد بها العموم، وأن المسلم منهي عن إبطال النافلة بعد الشروع فيها، فإن النهي يتوجه لمن تعمد إبطال عمله بلا عذرٍ، ولا مسوغٍ شرعيٍّ، ولا يدخل في الآية من عرض له في صلاته ما أوجب له قطع نافلته، فهذا لم يبطلها، بل أبطلها الشرع، وكما تبطل الصلاة بالحدث تبطل بحضور الفريضة، ومن امتثل


(١). صحيح مسلم (١٧٠ - ١١٥٤).
(٢). تفسير الطبري ط هجر (٢١/ ٢٢٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>