للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما الجواب عن تعارض حديث أبي هريرة لحديث أبي قتادة:

فيقال في الجواب: إن السبيل إما الجمع وإما الترجيح، وإذا أمكن الجمع بلا تكلف لا يصار إلى الترجيح:

فالترجيح أن يقال: إن قوله: (لا تقوموا حتى تروني) سنة قولية، والسنة القولية مقدمة على السنة الفعلية؛ لأن الفعل يحتمل احتمالات كثيرة بخلاف القول.

ولأن قوله: (لا تقوموا) ورد بصيغة النهي، وحديث أبي هريرة حكاية فعل، والفعل لا عموم له، ولا يلزم تكراره، وله وجوه كثيرة من الاحتمالات، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (إذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه) (١).

وأما وجه الجمع، فيقال:

يحتمل أنهم في أول الأمر كانوا يقومون ساعة تقام الصلاة قبل رؤية النبي صلى الله عليه وسلم على ما جاء في حديث أبي هريرة، بناء على الإباحة الأصلية، ثم جاء النهي عن ذلك في حديث أبي قتادة فقال لهم: (لا تقوموا حتى تروني) على وجه الرفق بهم؛ لاحتمال أن يتأخر عنهم، فيطول عليهم الانتظار، فيكون النهي ناقلًا عن الإباحة إلى كراهة القيام.

ويحتمل أن حديث أبي هريرة جاء لبيان الجواز، وأن النهي عن القيام حتى يروه ليس على سبيل الإلزام والحتم، بل على وجه الرفق به؛ لئلا ينتظروه قيامًا، فمن قام قبل رؤيته لا يعتبر عاصيًا باعتبار أن هذا من الآداب (٢).

الدليل الثاني:

أن المؤذن يقول في إقامته (قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة)، وهذه الجملة هي الجملة الوحيدة التي لا توجد في جمل الأذان، ومنها سميت الإقامة


(١). صحيح البخاري (٧٢٨٨)، وصحيح مسلم (٤١٢ - ١٣٣٧).
(٢). فتح الباري لابن رجب (٥/ ٤١٤)، شرح البخاري لابن بطال (٢/ ٢٦٦)، التوضيح لشرح الجامع الصحيح (٤/ ٧٠٦)، فتح الباري (٢/ ١٢٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>