للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإذا تبين أن المشقة ليست مطلوبة لذاتها، فإنه لا يصح قصدها بالتقرب بها إلى الله فالمقصود من المشي إلى الصلاة تحصيل الجماعة في المسجد، والمشي وسيلة إلى ذلك، فإن كان يحصل على مقصوده من طريق أقرب لم يقصد الطريق الأبعد، وإن كان المشي يشق عليه، ويمكنه الركوب لم يترك الركوب طلبًا لكثرة الخطا، فقصد المسجد الأبعد مع تيسر الأقرب من أجل كثرة الخطا تكلف لا يأمر به الشرع.

يقول شيخنا ابن عثيمين رحمه الله: «الإنسان إذا عمل عبادة شاقة بأمر الله كان أجرها أعظم، ومن ثم كان الأبعد من المسجد أعظم أجرًا من الأدنى من المسجد؛ لأنه أكثر عملًا، لكن ليس معنى ذلك أن الإنسان يطلب المشقة في العبادات التي يسرها الله، هذا من التنطع في الدين، لكن إذا كلفك الله بعبادة، وشقت عليك، صار هذا أعظم، أما أن تتطلب المشقة كما يفعل بعض الجهال في أيام الشتاء مثلًا يذهب، فيتوضأ بالماء البارد، يقول: لأن إسباغ الوضوء على المكاره مما يرفع الله به الدرجات، ويمحو به الخطايا، نقول: يا أخي ما هذا أراد الرسول صلى الله عليه وسلم، إنما أراد الرسول صلى الله عليه وسلم، أن الإنسان إذا توضأ بماء بارد في أيام الشتاء كان أعظم أجرًا، ولكنه لم يقل: اقْصِدْ الماء البارد. فإذا مَنَّ الله عليك بالماء الساخن تستطيع أن تسبغ الوضوء فيه إسباغًا كاملًا، فهذا أفضل» (١).

فإذا كان لا يقصد الماء البارد طلبًا للأجر، لم يقصد المسجد الأبعد تكثيرًا للخُطَا طلبًا للأجر.

الدليل الثاني:

(ح-١٠٦٩) روى البخاري في صحيحه من طريق وهيب (بن خالد)، حدثنا أيوب، عن عكرمة،

عن ابن عباس، قال: بينا النبي صلى الله عليه وسلم يخطب، إذا هو برجل قائم، فسأل عنه فقالوا: أبو إسرائيل، نذر أن يقوم ولا يقعد، ولا يستظل، ولا يتكلم، ويصوم. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: مره فليتكلم وليستظل وليقعد، وليتم صومه (٢).


(١). شرح رياض الصالحين (٥/ ٢٦٢).
(٢). صحيح البخاري (٦٧٠٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>