للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على المسجد حتى حصل له كثرة الخطا، أم المعنى أن يَدِبَّ إلى المسجد دبيبًا ولو خرج عن المشي المعتاد؛ ليحصل على كثرة الخطا؟

لا أظن الحديث سيق حَثًّا على مقاربة الخطا لتكثر الحسنات، فالخطا وسيلة غير مقصودة، وإنما كسب المشي فضيلته لكونه وسيلة إلى الصلاة، وكذا كل وسيلة توصلك إلى الصلاة فقد حصل المقصود، وتؤجر عليها، وحين كان المشي هو الغالب؛ لأن المساجد تقع عادة قريبة من البيوت جاء الأمر بالسعي إلى الصلاة بلفظ المشي، والحديث لا يفهم منه على أنه يعطي المشي مزية على غيره، لأننا لم نتعبد بالمشي المجرد، فالمشي ليس كالوضوء وسيلة لغيره وعبادة في نفسه، فلو تعبد المسلم بمجرد المشي لعُدَّ مبتدعًا، والوضوء مع أنه وسيلة يطلب وحده، ولو دون صلاة، هذا هو الفرق بين المشي والوضوء، بين الوسيلة إذا كانت مقصودة، وبين الوسيلة إذا كانت لا تقصد لذاتها، فالأجر المرتب على المشي إنما هو ترغيب للبعيد في تحصيل الجماعة باحتساب آثاره، وترغيب للقريب بكثرة التردد على المسجد في سائر الأوقات؛ لتكثر خطاه إلى الصلاة، وما خرج مخرج الغالب لا يعتبر قيدًا، فلو ركب الرجل إلى مسجده لكتبت آثاره في الطريق إلى المسجد.

وقد نقل الأبي عن العز بن عبد السلام قوله: «لا يمر إلى المسجد من أبعد طريقيه ليكثر الخطا؛ لأن الغرض الحصول في المسجد، وهو يحصل بالقريبة، قال: والحديث إنما هو تنشيط لمن بعدت داره ألا يكسل، ومن نحو ما ذكر ألا يؤثر أبعد المسجدين منه بالصلاة فيه» (١).

الدليل الثاني:

(ح-١٠٧١) روى ابن أبي شيبة في مسنده، قال: أخبرنا عبيد الله بن موسى، أخبرنا الضحاك بن نبراس، عن ثابت البناني،

عن أنس بن مالك، عن زيد بن ثابت، قال: أقيمت الصلاة فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يمشي، وأنا معه، فقارب في الخطا، وقال: أتعرف لم فعلت؟ لتكثر


(١). شرح الزرقاني على موطأ مالك (١/ ٥٥٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>