للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

١٨ - لقد رأيت عجبا مذ أمسا ... عجائزا مثل السعالي خمسا

يأكلن ما في رحلهن همسا ... لا ترك الله لهنّ ضرسا

ولا لقين الدّهر إلا تعسا

يقول: إنه رأى عجبا في اليوم الذي قبل يومه، وقد بيّن هذا العجب بأنه خمس نساء عجائز يشبهن الغيلان، ويأكلن ما في رحالهن من الطعام أكلا خفيّا، ثم دعا عليهن بأن يقلع الله جميع أضراسهن. لقد: اللام واقعة في جواب قسم محذوف، والتقدير: والله لقد رأيت.

وعجبا: أصله رأيت شيئا عجبا، حذف الموصوف وأقيم الوصف مكانه، وأخذ إعرابه. و «مذ» حرف جر، (أمس) مجرور علامة جره الفتحة؛ لأنه ممنوع من الصرف للعلمية والعدل عن الأمس، عجائزا: بدل من «عجبا» وصرفه للضرورة، و «خمسا» بدل من «عجائزا» أو صفة له، وهمسا: مفعول مطلق، وأصله صفة لمصدر محذوف (أكلا همسا).

والشاهد: «مذ» فإنها جاءت مفتوحة بدليل قوافي بقية الأبيات، مع أنها مسبوقة بحرف الجر «مذ»، فدل ذلك أن هذه الكلمة تعرب بالفتحة نيابة عن الكسرة عند جماعة من العرب، وقد جاءت مرفوعة أيضا في شاهد آخر وهو:

اعتصم بالرجاء إن عنّ بأس ... وتناس الذي تضمن أمس

أمس: فاعل مرفوع بالضمة. [سيبويه/ ٢/ ٤٤، والشذور/ ٩٩، والهمع/ ١/ ٢٠٩].

١٩ - منع البقاء تقلّب الشمس ... وطلوعها من حيث لا تمسي

وطلوعها حمراء صافية ... وغروبها صفراء كالورس

اليوم أعلم ما يجيء به ... ومضى بفصل قضائه أمس

هذه الأبيات، لتبّع بن الأقرن، أو لأسقف نجران، وقوله: بفصل قضائه، أراد بقضائه الفاصل، أي: القاطع، فالمصدر بمعنى اسم الفاعل، وإضافته لما بعده من إضافة الصفة إلى الموصوف، يقول: إن الخلود في هذه الدنيا ممتنع والدليل، ما نشاهده من تقلبات الأحوال التي نراها في الشمس، ومنه أن ما حدث بالأمس منّي ومن غيري لا يمكن لي أن أرده؛ لأنه قد ذهب وانقطع، ومن لا حيلة له كيف يأمل الخلود.

والشاهد: قوله «أمس» فإن هذه الكلمة قد وردت مكسورة الآخر بدليل قوافي الأبيات، وهو فاعل ل (مضى)، ومن هنا نعلم أن الكلمة مبنية على الكسر في محل رفع، وبناء

<<  <  ج: ص:  >  >>