للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قم، واذهب؛ فيه ضمير المخاطب ولا علامة له في اللفظ، وفيه ماله علامة تغير بنية الفعل بتسكين آخر الفعل الماضي وذلك: قمت، وقمنا، وقمت، وقمتما، وقمتم، فلما كان بعضه يقدّر في الفعل ويبقى لفظ الفعل مجردا، وبعضه كأنه من حروف الفعل بتسكينه لما كان من الفعل مفتوحا واختلاطه بحروفه صار المعطوف عليه في اللفظ كأنه قد عطف على الفعل وحده، إذ كان الموجود لفظ الفعل مجردا، أو ما يجري ببنيته مع الفعل كالمجرّد، والاسم لا يعطف على الفعل، فقبح لذلك.

وأمّا المستحسن المؤكّد فقولك: قمت أنا وزيد، وخرجنا نحن وأصحابك، واسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ (١)، وإنّ الزّيدين خرجا هما وأخوك، وإنّ الهندات في الدار هنّ وأخواتك، وهنّ توكيد للضمير الذي لهنّ في الظرف، وتقديره: إنّ الهندات استقررن هنّ وأخواتك في الدار.

وأمّا ما يكون من الكلام بين المعطوف والمعطوف عليه عوضا من التوكيد فنحو قولك: أقمت بالبصرة وزيد، وما خرجت ولا زيد، وفي مواضع من كتاب الله عز وجلّ قد جاء؛ فمنها: سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شاءَ اللَّهُ ما أَشْرَكْنا وَلا آباؤُنا (٢) فعطف آباؤنا على النون والألف في أشركنا، و (لا) الداخلة بينهما عوض من التوكيد.

ومنها: وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَإِذا كُنَّا تُراباً وَآباؤُنا أَإِنَّا لَمُخْرَجُونَ (٣) فعطف آباؤنا على النون والألف، وترابا عوض من التوكيد، ومنها: فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ (٤) (من) رفع بالعطف على التاء، وما بين التّاء و (من) عوض من التوكيد، ومنها قوله تعالى: أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ (٥) في رفع رسوله وجهان:

أحدهما: أن يكون عطفا على الضّمير الذي في (بريء)، وما بينهما كالتوكيد، وشبّه سيبويه العوض في هذا كالعوض الذي يقع في (أنّ) المشدّدة إذا خفّفت ووليها الفعل كقولك: قد علمت أن لا تقول ذاك، وأصله: قد علمت أنك لا تقول، ولو قلت: علمت أن تقول ذاك، على معنى: أنك تقول: لم يحسن؛ لأنّ (لا) عوض من تخفيف أنّ،


(١) سورة البقرة، الآية: ٣٥.
(٢) سورة الأنعام، الآية: ١٤٨.
(٣) سورة النمل، الآية: ٦٧.
(٤) سورة آل عمران، الآية: ٢.
(٥) سورة التوبة، الآية: ٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>