للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأمّا أهل الحجاز فإنّهم يحكون كلام المتكلّم في الاسم العلم؛ إذا قال قائل: رأيت زيدا، قالو: من زيدا؟ وإذا قالوا:

مررت بزيد، قالوا: من زيد؟ وإنما حكوا لفظه لئلا يتوهّم المسؤول أنّه سئل عن غير الذي ذكره من الزّيدين، وحرصوا لحكاية لفظه على التّبيين له أنه مسؤول عن الذي ذكره، وموضع المنصوب والمخفوض في من زيدا، ومن زيد، رفع على خبر من أو الابتداء، كما أنّ قولهم: دعنا من تمرتان، تمرتان في موضع خفض؛ كأنه قال: دعنا من لفظك تمرتان، فناب تمرتان عن ذلك، وكذلك قول من قال:

لست بقرشيّا، في موضع خفض بالباء. وإنما يختار أهل الحجاز الحكاية بالأسماء الأعلام دون غيرها؛ لأن أكثر ما يخبر عن الناس بالأسماء الأعلام في مكاتباتهم ومعاملاتهم، وفيما ينسب إليهم من مناقب أو مثالب، والاسم العلم إذا ذكر فكأنه شامل على تعريف جميع ما فيه من صفاته المعروفة، وإنّما ينعت إذا زاحمه غيره في لفظه بما يبينه عن غيره. وقد ذكر نحو هذا في ذكر الأسماء الأعلام.

وإذا لم يكن الاسم علما أجري على القياس، ورفع على الابتداء والخبر. وإذا عطف على الاسم العلم أو نعت بغير اسم أبيه فالرفع على القياس؛ لأن السائل إذا أطال بالعطف أو بالنعت محتذيا على كلام المتكلم، فحكايته لإطالته تغنيه عن حكايته لإعرابه، ويكون أولى؛ لأنّ الإطالة بالعطف والنعت لا تخرج اللفظ عن قياسه كما تخرجه الحكاية، وذلك إذا قال القائل: رأيت زيدا وعمرا، ورأيت زيدا أخا عمرو فالباب أن يقول السائل: من زيد وعمرو؟ ومن زيد أخو عمرو؟

وقد حكى سيبويه في العطف عن غير يونس الحكاية إذا كان الذي يلي (من) الاسم العلم، واستحسنه؛ لأنّ المعطوف غير المعطوف عليه، فالسؤال وقع بالاسم مفردا، ثم عطف شيء آخر عليه قد وقع به سؤال، وليس كذلك النّعت؛ لأنّ النعت والمنعوت كشيء واحد. وإذا قال: رأيت زيد بن عمرو جاز أن يقول: من زيد بن عمرو؛ لأنّ زيدا قد بني مع ابن فجعلا كشيء واحد، فصارا كشيء مضاف، فإذا قال: جاءني عبد الله، أو رأيت عبد الله، أو مررت بعبد الله جازت الحكاية في هذه الوجوه، فتقول: من عبد الله، أو مررت بعبد الله؟ ومن عبد الله، وكذلك جاءني زيد بن عمرو، ومررت بزيد بن عمرو، ورأيت زيد بن عمرو. وردّ إلى القياس ورفع؛ لأنهما لم يجعلا كشيء واحد، وصار بمنزلة قولك: رأيت زيدا أخا عمرو.

وإنما جازت الحكاية بمن ولم تجز بأيّ لعلتين:

إحداهما: أنّ السؤال ب (من) عمّا يعقل أكثر من السؤال بأيّ، وتغييرهم لما يكثر

<<  <  ج: ص:  >  >>