للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يسأله عمّا يحتمله كلامه، وقد يجوز أن يكون حرف الاستفهام في كلام السائل نصبا، وفي كلام المجيب رفعا على الاستئناف والابتداء والخبر كقولك: ما رأيت؟ فيقول: خير، وما في موضع نصب، وكيف أصبحت؟ فيقول:

صالح، كأنه قال: أنا صالح، والوجه حمل الجواب على ما يوجبه إعراب السؤال. ويجوز أيضا أن يكون لفظ الاستفهام في موضع رفع، ويكون الجواب نصبا محمولا على الفعل الذي في الكلام؛ لأنّ المعنى لا يتغيّر؛ كقولك: زيدا إذا قيل لك من الذي رأيت؟ كأنك قلت: رأيت زيدا.

وأمّا قوله عز وجلّ: ماذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ [النحل: ٢٤] فالذي عند ذوي التحصيل أنّ أساطير الأولين ليس بجواب لأنّ الّذين قالوا: أساطير الأولين لم يكونوا معترفين بأنّ الله أنزل شيئا، وإنّما تقديره: هذا الذي جاء به محمد أساطير الأولين، وكأنّهم عدلوا عمّا سئلوا عنه. وأمّا قوله:

دعي ماذا علمت سأتقيه

فالحرفان جميعا بمعنى الذي، وعلمت صلة، والعائد هاء محذوفة من علمته، وسبيل ماذا في كونها بمعنى الذي كسبيل ما وحدها إذا كانت بمعنى الذي. فإن قال قائل: هلا جعلتم ما زائدة وجعلتم ذا وحدها بمعنى الذي كما قال الله عز وجلّ: وَما تِلْكَ بِيَمِينِكَ يا مُوسى [طه: ١٧]. تلك: بمعنى التي وبيمينك صلة، وكما قال يزيد بن مفرّغ:

عدس ما لعبّاد عليك إمارة ... نجوت وهذا تحملين طليق (١)

هذا بمعنى الذي وتحملين صلته كأنه قال: والذي تحملين طليق، فالجواب أنّ تلك وهذا وما جرى مجراهما من أسماء الإشارة لا يكنّ عند أصحابنا بمعنى الذي وأخواتها، إلا ذا وحدها إذا كان قبلها ما، فلمّا كانت ذا لا تكون بمنزلة الذي حتى يكون قبلها ما لم يجز أن تكون زائدة كان إخراجها من الكلام يبطل المعنى المقصود بذا.

«وما تلك بيمينك» بيمينك عند أصحابنا في موضع الحال، كما تكون في موضع الصّفة إذا قلت: مررت بعصا بيمينك، كأنه قال: مستقرة بيمينك، وكذلك تحملين في موضع الحال، كأنه قال: وهذا حاملته أنت طليق، وتقديره: حاملة له أنت طليق، وأسهل من هذا في التقدير: وهذا محمولا طليق. ومما يشبه ما ذكرناه قول أبي ذؤيب:

لعمري لأنت البيت أكرم أهله ... وأقعد في أفيائه بالأصائل (٢)


(١) البيت سبق تخريجه.
(٢) البيت من ديوانه، الخزانة ٥/ ٤٨٤، ٦/ ١٦٦؛ وتاج العروس (أصل، فيأ).

<<  <  ج: ص:  >  >>