للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كأنك قلت: سرت إلى أن أدخلها، فالناصب للفعل هاهنا هو الجارّ في الاسم إذا كان غاية. فالفعل إذا كان غاية منصوب، والاسم إذا كان غاية جرّ؛ وهذا قول الخليل.

وأمّا الوجه الآخر: فأن يكون السّير قد كان والدخول لم يكن، وذلك إذا جاءت مثل كي التي فيها إضمار أن وفي معناها، وذلك قولك: كلّمته حتى يأمر لي بشيء.

واعلم أنّ حتى يرفع الفعل بعدها على وجهين:

تقول: سرت حتى أدخلها، تعني أنه كان دخول متصل بالسّير كاتّصاله بالفاء إذا قلت: سرت فأدخلها، وأدخلها هاهنا على قولك: هو يدخل، وهو يضرب، إذا كنت تخبر أنه في عمله، وأنّ عمله لم ينقطع. فإذا قال: حتى أدخلها فكأنه يقول: سرت فإذا أنا في حال دخول؛ فالدخول متّصل بالسير كاتّصاله بالفاء. فحتّى صارت هاهنا بمنزلة إذا وما أشبهها من حروف الابتداء؛ لأنها لم تجيء على معنى إلى أن، ولا معنى كي، فخرجت من حروف النصب كما خرجت إذن منها في قولك: إذن أظنّك.

وأمّا الوجه الآخر: فإنّه يكون السّير قد كان وما أشبهه، ويكون الدخول وما أشبهه الآن، فمن ذلك: لقد سرت حتى أدخلها ما أمنع، أي حتى أنّي الآن أدخلها كيفما شئت. ومثل ذلك قول الرجل: لقد رأى مني عاما أوّل شيئا حتى لا أستطيع أن أكلّمه العام بشيء، ولقد مرض حتى لا يرجونه، والرفع هاهنا في الوجهين جميعا كالرفع في الاسم. قال الفرزدق:

فيا عجبا حتّى كليت تسبّني ... كأنّ أباها نهشل أو مجاشع (١)

فحتّى هاهنا بمنزلة إذا، وإنما هي هاهنا كحرف من حروف الابتداء.

ومثل ذلك: شربت حتى يجيء البعير يجرّ بطنه، أي: حتى أنّ البعير ليجيء يجرّ بطنه.

ويدلّك على حتى أنّها حرف من حروف الابتداء أنّك تقول: حتى إنّه يفعل ذاك، كما تقول: فإذا إنّه يفعل ذاك. ومثل ذلك قول حسّان بن ثابت الأنصاري:


(١) البيت في ديوانه ١/ ٥١٨؛ الخزانة ٩/ ٤٧٥، ٤٧٦؛ ابن يعيش ٨/ ١٨، ٦٢؛ الكتاب ٣/ ١٨؛ المقتضب ٢/ ٤١.

<<  <  ج: ص:  >  >>