للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وبلغنا أن أهل المدينة يرفعون هذه الآية: وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ [الشورى: ٥١]. فكأنه قال- والله أعلم-: الله لا يكلم البشر إلا وحيا أو يرسل رسولا، أي في هذه الحال، وهذا كلامه إياهم، كما تقول العرب: تحيتك الضرب، وعتابك السيف، وكلامك القتل؛ وقال عمرو بن معدي كرب:

وخيل قد دلفت لها بخيل ... تحية بينهم ضرب وجميع (١)

وسألت الخليل عن قول الأعشى:

إن تركبوا فركوب الخيل عادتنا ... أو تنزلون فإنّا معشر نزل (٢)

فقال: الكلام هاهنا على قولك: أيكون كذا، أو يكون كذا، لما كان موضعها لو قال فيه: أتركبون لم ينقض المعنى، صار بمنزلة قولك:

ولا سابق شيئا (٣)

وأما يونس فقال: أرفعه على الابتداء، كأنه قال: وأنتم نازلون، على هذا الوجه فسّر الرفع في الآية، كأنه قال: أو هو يرسل رسولا، كما قال طرفة بن العبد:

أو أنا مفتدى (٤)

وقول يونس أسهل، وأما ما قاله الخليل فجعله بمنزلة قول زهير:

بدا ليّ أني لست مدرك ما مضى ... ولا سابق شيئا إذا كان جائيا (٥)

والاشتراك على هذا التوهم بعيد كبعد (ولا سابق شيئا). ألا ترى أنه لو كان هذا كهذا لكان في (الواو) و (الفاء)؛ وإنما توهم هذا فيما خالف معناه التمثيل.

قال أبو سعيد: أصل (أو) العطف حيث كانت، والمنصوب بعدها على وجهين:

أحدهما: أن يتقدم فعل منصوب بناصب من الحروف، ثم يعطف عليه ب (أو) كما يعطف بسائر حروف العطف، كقولك: أريد أن تخرج إلى الكوفة أو تلازم زيدا، أو مدحت الأمير كي يهب لي دنانير أو يحملني على دابة؛ ومعناها أحد الأمرين؛ وفي هذا


(١) البيت في ديوانه ١٤٩، الخزانة ٩/ ٢٥٢؛ الكتاب ٣/ ٣٢.
(٢) البيت في ديوانه ١١٣؛ الخزانة ٨/ ٣٩٤؛ الكتاب ٣/ ٥١.
(٣) هذا جزء من بيت قاله زهير بن أبي سلمى وقد سبق تخريجه.
(٤) سبق تخريجه.
(٥) سبق تخريجه.

<<  <  ج: ص:  >  >>