للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذا خلاف ما يراد من معنى ذلك، وهذان البيتان أنشدهما الأصمعي عن أبي عمرو لبعض بني أسد. وبدل الغلط في الفعل أن يقول القائل: إن تأتنا تسألنا نعطك، كأنه أراد إن تسألنا نعطك، فسبقه لسانه إلى تأتنا، وألغاه، وجعل تسألنا مكانه، كما تقول: مررت برجل حمار.

ومما أبدل من الفعل لأنه في تأويل الذي قبله قول الله- عز وجل-: وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ يَلْقَ أَثاماً يُضاعَفْ لَهُ الْعَذابُ (١) يضاعف بدل من يلق، ومعنى يلق أثاما: يلق عقوبة آثامه، وهو إثمه، ولقيه إياها أن تصيبه وتناله، والذي يضاعف له العذاب يناله ذلك العذاب، وما لا يجوز بدله من الشرط يجوز عطفه عليه بحروف العطف، لأنه قد يعطف الفعل على ما يخالف معناه، وليس العطف كالبدل، وذلك قولك: إن تأتني فتسألني أعطك، وإن تأتني وتسألني أعطك، وإن تأتني ثم تسألني أعطك، لأن هذه الحروف للاشتراك، فيشركن الآخر فيما دخل فيه الأوّل، وكذلك، أو كقولك: إن تأتني أو تسألني أعطك، ولا يجوز فيما عطفته الرفع، لأن حروف العطف قد أشركت بين الفعل الثاني الذي دخلت عليه وبين الأول في الجزم، فلا سبيل للرفع فيه، وإنما كان يرتفع قبل دخول حروف العطف على معنى الحال في قوله:

متى تأته تعشو ... ... (٢)

على معنى عاشيا، ولو قلت: متى تأته وعاشيا كان مخلا، لأنه ليس في (متى تأته) منصوب تعطف عليه عاشيا، إلا الهاء في (تأته)، ولو عطفت عليه صار عاشيا، كأنه إنسان آخر غير الهاء يقع الإتيان بهما، فكأنك قلت: متى تأتهما؛ وليس الأمر كذلك، لأن عاشيا هو الفاعل المضمر في تأته، وإذا قلت:

إن تأتني فتحدثني أحدثك، الوجه في تحدثني الجزم عطفا على تأتني، وقد أجاز الخليل نصبه على وجه ليس بالمختار، إن تأتني فتحدثني أحدثك، والذي ضعّف النصب في هذا أنه متى نصب لم يخرج عن معنى المجزوم فاختاروا المجزوم لأن عامله عامل المجزوم الذي قبله، فيجتمع فيه تطابق اللفظيين، وظهور العامل فيهما، وإذا نصب فهو على تأويل بعيد المتناول، لا تحوج إليه إلا ضرورة التأويل في النصب، أن يردّ (إن تأتني) إلى تقدير:

إن يكن منك إتيان، ويردّ (تحدثني) إلى حديث، ويعطفه بالفاء، ويقدر حديث بأن


(١) سورة الفرقان، الآيتان: ٦٨، ٦٩.
(٢) سبق تخريجه.

<<  <  ج: ص:  >  >>