للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جريمة كاسبة يعني عقابا. وناهض: فرع. فالعقاب تكسب لفرخها ما يأكله وعلى هذا تأول: جرمت فزارة: أي كسبت فزارة الغضب.

واختلفوا في فاعل " جرم " إذا كان فعلا ماضيا:

فقال أبو العباس المبرد: " أنهم " في موضع رفع " بجرم " كقولك: حق كون النار لهم.

ووجت كون النار لهم. ونحو ذلك. وقال غيره: " أن لهم النار " في موضع نصب وفي " جرم " ضمير فاعل. كأن كفرهم كسب كون النار لهم.

وأما الفراء وأصحابه. فذهبوا إلى أن " جرم " اسم منصوب و " لا " على التبرئة وقال الفراء: " لا جرم أنهم " كلمة كانت في الأصل- والله أعلم، بمنزلة: لابد أنك قائم ولا محالة أنك ذاهب فجرت على ذلك وكثر استعمالهم إياها حتى صارت بمنزلة: حقا و " حقا " عندهم بمنزلة قسم. واستدل على ذلك بما ذكر عن العرب من قولهم. " لا جرم لآتينك ". " لا جرم لقد أحسنت " قال: كذلك فسرها المفسرون بمعنى: الحق. قال وأصله جرمت أي كسبت الذنب وجرمته، ورأيت بعض الكوفيين: يجعل " أن " في موضع نصب في لا بد ولا محالة ولا جرم. وقال بعض الكوفيين: " أجرم " أصله الفعل الماضي فحول عن طريق الفعل ومنع التصرف. فلم يكن له مستقبل ولا دائم ولا مصدر. وجعل معه " لا " قسما وتركت الميم على فتحها الذي كان لها في الماضى كما نقلوا " حاشى " وهو فعل ماض مستقبله " يحاشى " ودائمه " محاش " ومصدره " محاشاه " من باب الأفعال إلى باب الأدوات لما أزالوه عن التصرف فقالوا: قام القوم حاشى عبد الله. فخفضوا به ولو كان فعلا ما عمل خفضا. وابقوا عليه لفظ الفعل الماضي. وكما نقلوا " ليس " وأصلها الفعل الماضي. عن أصلها إلى سبيل الأدوات فمنعوها التصرف وخروج المصدر منها وأفردوا آخرها على أمرها الأول قبل النقل. وحكى الكوفيون في " لا جرم " وجوها من تغيير اللفظ فيها عن العرب. منها " لا جرم " بضم الجيم و: " لا جر " بإسقاط الميم. و: " لا ذا جرم " و " لا ذا جر " بغير الميم " ولا إنّ ذا جرم " و: " لا عزّ ذا جرم ". ومعنى اللغات كلها عندهم واحد. وأنشد الفراء:

... ... إنّ كلابا والدي لاذا جرم

لأهدرن هدرا صادقا ... هدر المعنى الشقاشيق اللهم (١)


(١) البيتان في معاني القرآن للفراء ٢/ ٩، أمالي القالي: ٣/ ٢١٨، وهما من الرجز.

<<  <  ج: ص:  >  >>