للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إذا أرادوا هذا المعنى.

مثال هذا: أنهم إذا شبهوا السريع الذي رضوا بسرعته فقالوا: هو كالريح وهو كالبرق وكالسهم وكالحجر وكالطائر. ويبالغون به فيقول: هو أسرع من الريح وأسرع من يد إلى فم.

وبأي شيء شبهناه من هذه الأشياء فهو كتشبيهنا أياه بالآخر. لأن غرضنا الدلالة على أن فيه سرعة شديدة محمودة.

وهذا أكثر من أن يحصى. فصار قولنا: هو كالبرق وهو أسرع من البرق، وهو كالريح وهو أسرع من الريح في باب الدلالة على سرعته كشئ واحد.

وكذلك: كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ بمنزلة شيء واحد فجمع اللفظين اللذين يتناهون ويبالغون فيه إذا شبهوا.

ومثله قوله تعالى: قالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ * قالُوا لَبِثْنا يَوْماً أَوْ بَعْضَ (١).

والكلام فيه وفيما قبله طريق واحد وهو: أن كل ما فنى يشبّه بما لم يكن حتى يقال: " كأنك بالدنيا لم تكن ... ".

لأنه إذا فنى فقد بطل حكم وجوده وكونه والذي لم يزل موجودا. لأنه إذا أتى فقد بطل حكم عدمه.

فقوله عز وجل: وَما أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ؛ لأن ما قبل الساعة مما يفنى فيصير كأنه لم يوجد فزمانه قصير في التشبيه، والذي يأتي قريب؛ لأن ما قبله فان، والتشبيه بلمح البصر ". و " باليوم " و " الساعة "

واللحظة واحد؛ لأن الغرض فيه كله تقصير المدة على غير حقيقة مماثلة طول الزمان.

وإنما دخول " أو " على ذلك. لأن المشبه بكل واحد من ذلك مفردا غير مخطئ في التشبيه فتأمله وأعرفه إن شاء الله تعالى.

وأما قوله عز وجل: وَأَرْسَلْناهُ إِلى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ (٢) ففيه وجهان:


(١) سورة المؤمنون، الآيتان: ١١٢، ١١٣.
(٢) سورة الصافات، الآية: ١٤٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>