للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

دفعها وهو إنها قد تقع مخففة بين بين في الشعر وبعدها ساكن في الموضع الذي لو اجتمع (فيه ساكنان) لانكسر البيت ولم يتزن كقول الأعشى:

أأن رأت رجلا أعشى أضرّبه ... ريب المنون ووهر مفسد خبل (١)

فالنون ساكنة وقبلها همزة مخففة بين بين فعلم إنها متحركة لاستحالة اجتماع الساكنين في هذا الموضع.

قال: وإنما جعل هذه الحروف بين بين ولم تجعل ألفات ولا ياءات ولا واوات، لأن أصلها الهمزة فكرهوا أن يخففوا على غير ذلك فتحول عن بابها فجعلوها بين بين ليعلموا أن أصلها عندهم الهمز.

يعني أن الهمزة التي حكمها أن تجعل بين بين لم تقلب واوا محضة ولا ياء محضة؛ لئلا تخرج عن حكم الهمزة في جميع وجوهها، فأبقوا فيها بقية من آثار الهمزة على ما قدمنا وصفه.

قال: وإنما منعك أن تجعل هذه السواكن بين بين إنها حروف ميّتة وقد بلغت غاية ليس بعدها تضعيف ولا يوصل إلى ذلك ولا تحذف؛ لأنه لا يجيء أمر تحذف له السواكن فألزموا البدل كما ألزموا المفتوح الذي قبله كسرة أو ضمة البدل.

قال أبو سعيد: يعني أن الهمزة إذا كانت ساكنة وقبلها متحرك نحو (رأس) و (ذئب) و (لؤم) إذا خففنا قلبناها ألفا أو ياء أو واوا على ما وصفنا ولم نجعلها بين بين؛ لأن معنى قولنا بين بين إنها بين الهمزة وبين الحرف الذي منه حركتها، فلما وقعت ههنا ساكنة لم تتعلق بحرف آخر يجعلها بين الهمزة وبين ذلك الحرف وأيضا إن همزة بين بين إنما تضرب من الساكن على ما بينا وهي في هذا الموضع ساكنة فقد بلغت غاية ليست بعدها تضعيف، لأن السكون في نهاية الضعف ولا يجوز أن ينحى بالساكن نحو شيء آخر هو أضعف منه كما ينحى بالمتحرك نحو ما هو أضعف منه وهو الساكن.

فلم يوصل إلى تضعيف هذا الحرف الساكن بأكثر مما هو فيه وقوله: " ولا تحذف " يريد لا تحذف الهمزة الساكنة إذا خففت؛ لأنه لم يرد ما يوجب حذفها فلما لم تجعل بين بين ولم تحذف أبدل على حركة ما قبله كما تبدل الهمزة في " مئر " ياء وهو في معنى قول


(١) انظر ديوان الأعشى: ٤٢، وابن يعيش: ٣/ ٨٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>