للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

موضع مصدره، فمن ذلك: قول الله عز وجل: وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا (١) "، ومصدر تبتّل تبتّلا، وتبتيلا مصدر بتّل، فكأنه قال: بتّل، ومنه وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَباتاً (٢)، لأنه إذا أنبتهم فقد نبتوا، ونباتا مصدر نبت، فكأنه قال نبتم نباتا.

وزعموا أن في قراءة عبد الله بن مسعود: وَنُزِّلَ الْمَلائِكَةُ تَنْزِيلًا (٣) لأن معنى أنزل ونزول واحد، وقال القطامي:

وخير الأمر ما استقبلت منه ... وليس بأن تتبّعه اتّباعا

لأن تتبّعت واتّبعت في المعنى واحد. قال رؤبة:

وقد تطوّيت انطواء الحضب

لأن معنى تطوّيت وانطويت واحد.

والحضب: الحية. وقد يجيء المصدر على خلاف حروف الفعل إذا كان الفعلان متساويين في المعنى، كقولك: أدعه تركا شديدا؛ لأن معنى يدع ويترك واحد، ورضته إذلالا شديدا وتذليلا حسنا، وذلّلته رياضة جيدة، كما قال:

فصرنا إلى الحسنى ورقّ كلامنا ... ورضت فذلّت صعبة أيّ إذلال (٤)

[هذا باب ما لحقته هاء التأنيث عوضا لما ذهب]

" وذلك قولك: أقمته إقامة، واستعنته استعانة، وأريته إراءة " مثل إراعة، وإن شئت لم تعوّض وتركت الحروف على الأصل، قال الله عز وجل: لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقامِ الصَّلاةِ وَإِيتاءِ الزَّكاةِ (٥) "

قال أبو سعيد: اعلم أن الأصل في هذا الباب هو أن يكون الفعل على أفعل وعين الفعل منه واو أو ياء فإنهما يعتلان وتلقى حركتهما على ما قبلهما وتقلب كل واحدة منهما ألفا في الماضي وياء في المستقبل، كقولك: أقام يقيم، وألان يلين، والأصل أقوم يقوم، وألين يلين، فألقيت حركة الياء والواو على ما قبلهما، وقلبتهما ألفا بعد الفتحة وياء بعد الكسرة، ثم يعلّ المصدر لإعلال الفعل، فتقول: إقامة وإلانة، وكان الأصل إقواما


(١) سورة المزمل، الآية: ٨.
(٢) سورة نوح، الآية: ١٧.
(٣) سورة الفرقان، الآية: ٢٥.
(٤) قاله امرؤ القيس في ديوانه ٣٢، وانظر المخصص: ١٤/ ١٨٧.
(٥) سورة النور، الآية: ٣٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>