للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وتحقيق الهمزة، وإن كان قد لحقه هذا التخفيف.

قال: " وأما الذين قالوا: مغيرة ومغيرة فليس على هذا، ولكنهم أتبعوا الكسرة الكسرة، كما قالوا: منتن وأنبؤك وأجؤك، يريد أنبئك وأجيئك "

يريد أن هذا شاذ لا يطرد فيه قياس، وليس من أجل حرف الحلق ما عمل ذلك، ولكنه كثر في كلامهم، فأتبعوا هذه الحروف خاصة، ولا يقولون في مجير: مجير ولا في معينة: معينة، ولا في أبيعك: أبوعك، ولا في أقرئك: أقرؤك.

قال: " وقالوا في حرف شاذ: أحبّ ويحبّ ونحبّ، شبهوه بقولهم: منتن، وإنما جاء على فعل وإن لم يقولوا: حببت. وقالوا: يحبّ، كما قالوا: يئس، فلما جاء شاذا عن بابه على يفعل خولف به، كما قالوا: يا ألله، وقالوا: ليس، ولم يقولوا: لاس.

فكذلك يحبّ لم يجئ على أفعلت، فجاء على ما لا يستعمل، كما أن يدع ويذر على ودعت ووذرت وإن لم يستعمل، فعلوا هذا بهذا لكثرته في كلامهم "

قال أبو سعيد: اعلم أن في يحبّ قولان: أحدهما ما قال سيبويه أن أصله حبّ، وإن لم يستعمل حبّ، وقد تقدم القول بأن حبّ قد استعمل، وذكرت فيه ما روي عن أبي رجاء العطارديّ: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ (١)، وشعرا أنشدته فيه، غير ذلك قول بعض بني مازن من تميم:

لعمرك إنني وطلاب مصر ... لكا لمؤداد ممّا حبّ بعدا (٢)

وكان حقه على ما قدره سيبويه أن يقال: يحبّ بفتح الياء، لكنه أتبع الياء الحاء، وقال غيره: يحبّ، بالكسر، أصله يحب من قولنا: أحبّ يحبّ، وشذوذه إنهم أتبعوا الياء المضمومة الحاء كما قالوا: مغيرة، والأصل مغيرة، فكسروه من مضموم. وهذا القول أعجب إليّ، لأن الكسرة بعد الضمة أثقل وأقل في الكلام، فالأولى أن يظن إنهم اختاروا الشاذ عدولا عن الأثقل.

ومن حجة سيبويه إنهم قالوا: يئبى، والأصل يأبى، فقد كسروا المفتوح، وإنما كسروا في يئبى، وحق الكسر أن يكون في أوائل يفعل مما ماضيه على فعل إذا كان الأول


(١) سورة آل عمران: ٣١
(٢) الشاهد في قوله (حبّ) ومضارعه (يحب) وهو قليل الاستعمال، والمشهور المستعمل (أحبّ) (يحب)

<<  <  ج: ص:  >  >>