للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قال: فلم يجدا في هذا المكان إلا مناخ مطية وإلا مفحص هذه المطية الحصي عنها بجرانها، وكان ينبغي أن يقول: وإلا سمرا ظماء ذبلا، وإنما يعني بالسمر الظماء الذبل بعر هذه المطية، كأنه قال: وبها سمر " ظماء ".

وقال آخر:

بادت وغيّر آيهنّ مع البلى ... إلا رواكد جمرهن هباء (١)

ومشجّج أمّا سواء قذال ... فبدا وغيّر ساره المعزاء

والشاهد في رفع " مشجّج " كالبيت الأول، والمشجج الوتد يدقه في الأرض، وقد بدا وسط رأسه وظهر، " وغيّر

ساره " يعني باقيه، لمعزاء وهي الأرض ذات الحصى وقيل " سار " في معنى سائر، كما يقال " هار " في معنى هائر: و " رواكد " يريد بها الأثافي، واستثناها من آي الدار، لأنها لم تبل ولم تغيّر فيما قد تغيّر.

قال: (والنصب في الفصل أقوى إذا قلت: " هذا ضارب زيد فيها وعمرا "، وكلما طال الكلام كان أقوى).

يعني أن قولك: " هذا ضارب زيد فيها وعمرا " أجود من قولك: " هذا ضارب زيد وعمرا فيها "، وإن كان الجر فيهما أجود من النصب، وذلك أنك إذا قلت: " هذا ضارب زيد وعمرو " فالعامل في " عمرو " الجر هو العامل في " زيد "، والجار والمجرور كشيء واحد، فحكمه أن يكون إلى جنبه ويتصل به، فلما فصلت بينهما بغيرهما بعد من الجار، فقوي النصب فيه بعض القوة.

وإذا قلت: " هذا ضارب زيد فيها وعمرو "، فهو أحسن وأجود من قولك " هذا ضارب فيها زيد "؛ لأن الأول في المسألة الأولى قد حصل فيه المجرور الذي صار معاقبا للتنوين قبل أن يأتي الفصل بينهما بفيها، ولم يحصل في المسألة الثانية، ولا تجوز المسألة الثانية إلّا في الشعر كقوله:

كما خطّ الكتاب بكفّ يوما ... يهوديّ يقارب أو يزيل (٢)


(١) البيتين للشماخ وقيل لذي الرمة انظر سيبويه ١/ ٨٨، ملحق ديوان الشماخ ٢٤٧، أساس البلاغة ٢/ ٣٩٣.
(٢) نسبه سيبويه إلى أبي دحية النميري ١/ ٩١، الخصائص ٢/ ٤٠٥ المقتضب ٤/ ٣٧٧، العيني ٣/ ٤٧٠ - ابن الشجري ٢/ ٢٥٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>