للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لاشتراكهما في الوصلة.

وما حكاه الخليل شاذ في الظاهر، لأن الظاهر في التقديم والتأخير على حال واحدة.

فإن قال قائل فأنت تقول: إياي ضربت، ولا يجوز أن تقول: ضربتني، والفعل لا يقع على المتكلم من نفسه، ولو وقع عليه لكان: بنون وياء كقولك: ظننتني فلم يغير حكمه في إيا، وأنت تزعم أنها وصلة إلى اللفظ كما كان يتصل بالفعل.

قيل له: لما توصلوا بإيا وصار في حكم الظاهر المضاف، وجعلوا ما بعد " إيا " في موضع خفض بطلت النون التي قبل الياء كما بطلت من عصاي وهداي، وصار تعدي الفعل إليه من نفسه كتعديه إلى النفس في قولك: نفس ضربت، فاعرفه إن شاء الله تعالى.

ثم ذكر سيبويه أشياء من كلام العرب وأشعارها حذفوا فيها الفعل، فمن ذلك قول:

العرب: " هذا ولا زعماتك " معناه: أن المخاطب كان يزعم زعمات، فلما ظهر خلاف قوله، قال: هذا الحق ولا زعماتك، ولا أتوهم ما زعمته، ومنه قول ذي الرمة:

ديار ميّة إذ ميّ تساعفنا ... ولا يرى مثلها عجم ولا عرب (١)

كأنه قال: اذكر ديار مية، ولكنه لا يذكر " اذكر " لكثرته في كلامهم، ولم يذكر: ولا أتوهم زعماتك لكثرة استعمالهم إياه، ولاستدلاله بما ينبئ من حاله ومن أنه ينهاه عن زعمه، وقد يدخل هذا المثل في أن يقال للإنسان إذا زعم شيئا في رأي يراه ومشورة يشير بها أن يقول هذا لرأي آخر أصح من ذاك " هذا ولا زعماتك "، أي: هذا حق صحيح دون ما زعمته.

(ومن ذلك قول العرب: " كليهما وتمرا " (٢) وكثر هذا في كلامهم).

وجرى مثلا، والتقدير: اعطني " كليهما وتمرا، كأن إنسانا خيّر آخر بين شيئين فطلبهما جميعا المخيّر وزيادة عليهما، فقال: أعطنيهما وتمرا، ومنهم من يرفع كليهما وينصب التمر فيقول: كلاهما وتمرا، كأنه قال: كلاهما لي ثابتان وزدني تمرا.

ويقول بعضهم: " كل شيء ولا هذا، وكل شيء ولا شتيمة حر " أي: ائت كل


(١) البيت سبق تخريجه.
(٢) مجمع الأمثال ٣: ٣٨، جمهرة الأمثال ٢: ١٣٧، خزانة الأدب ٢: ٣٦٥ ديوان عمرو بن حمران الجعدي.

<<  <  ج: ص:  >  >>