للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أي: أنت عندي بمنزلة زيد الذي قال: أنا زيد، فقيل له: من أنت زيدا كما تقول للرجل: " أطرّي فإنك ناعلة " و " أحمقي " أي أنت عندي بمنزلة التي يقال لها ذلك.

سمعنا رجلا منهم يذكر رجلا فقال لرجل ساكت لم يذكر ذلك الرجل من أنت فلانا).

قال أبو سعيد رحمه الله: أصل هذا أنّ رجلا غير معروف بفضل كأنه يسمّى بزيد، وكان زيد مشهورا بشجاعة وضرب من ضروب الفضل التي يذكر بها الرجل، فلما تسمّى الرجل المجهول بزيد الذي هو معروف بالفضل دفع عن ذلك وأنكر عليه، فقيل له: من أنت زيدا على جهة الإنكار، أي من أنت ذاكرا زيدا ومعرّفا هذا الاسم.

وقد يجوز الرفع، والنصب أقوى، لأنك إذا رفعته تقديره: كلامك زيد، وذكرك زيد، على معنى: كلامك ذكر زيد، وكلامك اسم زيد؛ فيكون على سعة الكلام كقوله تعالى: وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ (١).

فكان النصب أحسن من أن تجعله خبرا لمصدر. وقد يجوز لمن ليس اسمه بزيد " من أنت زيدا " على المثل الجاري كما قالوا: " أطرّي فإنك ناعلة "، و " الصيف ضيّعت اللبن " (٢)، و " أحمقي " فتخاطب الرجل بهذا وإن كان اللفظ للمؤنث؛ لأن أصل ما جرى به المثل التأنيث، وإنما يقال للذكر ذلك على معنى: أنت عندي بمنزلة التي يقال لها.

أما وقد ذكرنا تفسير هذه الأمثال في موضع آخر، وقد يجوز أن تذكر غير زيد باسمه، كأنّ رجلا ذكر عمرا وذكر ملابسة بينه وبينه، أو سؤالا عنه، وكأنّ منزلة عمرو ترتفع عند بكر أن يسأل عنه مثل هذا الرجل السائل فقال له: من أنت عمرا، كأنّ في سؤاله عن عمرو ما يتشرّف به أو يكسب به حالا فيها فخر.

يقال: من أنت سائلا عن ذلك أو مفتخرا به.

وأمّا ما حكاه من قول القائل لرجل سأله لم يذكر ذلك الرجل: من أنت فلانا، فيجوز أن يكون على معنى التعريض بالرجل الذي ذكره أنه ليس بموضع أن يذكره.

(ومن ذلك قول العرب: إمّا أنت منطلقا انطلقت معك، وإمّا زيد ذاهبا ذهبت معه، قال الشاعر:


(١) سورة يوسف، الآية: ٨٢.
(٢) يضرب مثلا للرجل يضيع الأمر ثم يريد استدراكه جمهرة الأمثال ١: ٥٧٥، ٣٢٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>