للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومما يشبه هذا قول متمّم:

لعمري وما دهري بتأبين هالك ... ولا جزع ممّا أصاب فأوجعا (١)

أي: فدهر تأبين هالك، وجعل الدّهر هو التأبين مجازا.

(ومما ينتصب في الاستفهام من هذا الباب قولهم: أقياما يا فلان والناس قعود، وأجلوسا والناس يعدون فلا يريد أن يخبر أنّه يجلس ولا أنّه قد جلس، وانقضى جلوسه، ولكنّه يخبر أنّه في تلك الحال في حال جلوس).

وهذا الكلام يقوله الإنسان عند فعل يشاهده ممّا ينكر عليه من أجل شيء آخر، كأنّه إذا قال: أقياما والناس قعود فقد أنكر عليه القيام من أجل قعود النّاس، وأنكر الجلوس من أجل فرارهم توبيخا له على ذلك.

ومثله: أصبى وأنت شيخ، ومثله: " ... أطربا وأنت قنّسريّ ... ".

وهو: المسنّ في هذا الموضع، إنكارا للطرب مع هذه الحال، (ومثله: قول بعض العرب وهو يعزى إلى عامر بن

الطفيل:

" أغدّة كغدّة البعير ... وموتا في بيت سلولية " (٢)

واجتماعهما يزيد في المكروه فهو يجري مجرى التوبيخ، وإن لم يكن توبيخا وإنما قاله عامر، لمّا أصابته الغدّة، وهي داء إذا أصاب البعير لم يلبّثه حتّى يموت، وكان قد أتى النبي صلّى الله عليه وسلّم هو وأربد بن ربيعة العامريّ أخو لبيد ليغتالاه، فأطلعه الله عزّ وجلّ عليهما؛ فقال: " اللهمّ أكفني عامرا وأربد " فأصابت أربد صاعقة، وأصابت عامرا الغدّة، ومثله:

أعبدا حلّ في شعبي غريبا ... ألؤما لا أبا لك واغترابا (٣)

الشاهد في قوله: ألؤما لا أبا لك، وبّخه على ما يأتيه من اللؤم مع غربته على نحو ما تقدّم، كأنّه قال: أتلؤم لؤما وتغرب اغترابا (إن لم تستفهم وأخبرت جاز كقولك:

سيرا سيرا، عنيت نفسك أو غيرك؛ كأنك رأيت رجلا في حال سير أو كنت في حال سير، أو ذكر رجل بسير أو ذكرت أنت بسير، وجرى كلام يحسن بناء هذا عليه كما


(١) خزانة الأدب ٢: ٢٧.
(٢) يضرب كمثل لاجتماع نوعين من الشر، اللسان (غدد).
(٣) البيت لجرير: ديوانه ٥٦، الأغاني ٨: ٢١؛ خزانة الأدب ٢: ١٨٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>