للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد أجازوا: سير بزيد يوم الجمعة، وسير به فرسخان، والفصل بينهما أن الظروف قد توسعت فيها العرب، فأقاموها مقام الفاعلين والمفعولين فقالوا: ليلك نائم ونهارك بطّال، قال الله عز وجل: بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ (١) فلمّا كان ذلك في الظروف أقاموها مقام الفاعل على السعة ولم يتّسع في المفعول له هذا الاتساع فيخرج عن بابه بإقامته مقام الفاعل.

قال سيبويه: (وحسن في هذا الألف واللام؛ يعني المفعول له؛ لأنه ليس بحال فيكون في موضع فاعل، ولا يشبّه بما مضى من المصادر في الأمر والنهي وغيرهما؛ لأنه ليس موضع ابتداء ولا موضعا يبنى على مبتدإ، فمن ثمّ خالف باب " رحمة الله عليه "). يعني خالف باب " رحمة الله عليه " وسائر المصادر التي يجوز فيها الرفع والنصب مما تقدّم ذكره فلم يجز في المفعول له غير النصب.

يعني أن المصادر التي تنصب في أوّل الكلام قد ترفع- أيضا- بالابتداء وبخبر الابتداء، نحو: صبر جميل، وطاعة، وقول معروف.

هذا باب ما ينتصب من المصادر لأنه حال وقع فيه الأمر فانتصب لأنّه موقع فيه الأمر

(وذلك قولك: قتلته صبرا، ولقيته كفاحا، ولقيته فجاءة، ومفاجأة ولقيته عيانا، وكلمته مشافهة، وأتيته ركضا وعدوا ومشيا، وأخذت ذلك عنه سماعا وسمعا، وليس كلّ مصدر- وإن كان في القياس مثل ما مضى من هذا الباب- يوضع هذا الموضع؛ لأن المصدر هنا في موضع فاعل إذا كان حالا. ألا ترى أنه لا يحسن أتانا سرعة، ولا أتانا رجلة، كما أنه ليس كلّ مصدر يستعمل في باب سقيا وحمدا).

قال أبو سعيد- رحمه الله-: اعلم أنّ مذهب سيبويه في: أتيت زيدا مشيا وركضا وعدوا، وما ذكره معه أن المصدر في موضع الحال كأنّه قال: أتيته ماشيا وراكضا وعاديا، وكذلك: قتلته صبرا أي: قتلته مصبورا، ولقيته مفاجئا ومكافحا ومعاتبا، وكلمته مشافها، وأخذت ذلك عنه سماعا إذا كان الحال من الفاء، وإن كان من الهاء فصابرا، وليس ذلك بقياس مطّرد وإنما يستعمل فيما استعملته العرب، لأنه شيء وضع في موضع غيره كما أن


(١) سورة سبأ، الآية: ٣٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>