للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شكّ فيه، وكأنه قال: أحقّ ذلك، والعامل فيه أحقّ وما أشبهه، وليس في هو ولا في زيد معنى فعل يعمل في (معروفا)، ولكن الجملة دلّت على أحقّ وأعرف أو نحو ذلك.

ومن أجل ذلك لم يجز أن تقول: هو زيد منطلقا، لأنه لو صحّ له انطلاقه لم يكن فيه دلالة على صدقه فيما قاله، كما أوجب قوله: معروفا له نسبي، أنه أنبّه.

وكل ما أوردت من الحال مما فيه توكيد للإخبار جاز، (كقولك: هو عبد الله، وأنا عبد الله فاخرا أو موعدا، أي أعرفني كما كنت تعرفني، وبما كان يبلغك عني، ثم تفسر الحال التي تعلمه عليها أو تبلغه، فيقول: أنا عبد الله كريما جوادا، وهو عبد الله شجاعا بطلا)، وهذه الصفات وما جانسها مما يكون مدحا في الإنسان يعرف بها، جوز أن تأتي مؤكدة للخبر، لأنها أشياء يعرف بها فذكرها مؤكد لذاته.

فأمّا منطلقا وقاعدا وما أشبه ذلك مما لا يعتد به الإنسان في مدح ولاذم، فلا يكون تحقيقا للإخبار.

ومن ذلك قولك: (إني عبد الله، إذا صغرت نفسك لربك، ثم تفسر حال العبد فتقول: أكلا كما يأكل العبد)، فأكلك كما يأكل العبد قد حقق أنك عبد الله، فعلى هذا المعنى ونحوه يصح ذلك ويفسد.

قال: (وإذا ذكرت شيئا من هذه الأشياء التي هي علامة للمضمر، فإنه محال أن يظهر بعدها الأسماء وإذا كنت تخبر عن عمل أو صفة غير عمل ولا تريد أن تعرّفه بأنّه زيد أو عمرو)، يعني: أنك إذا أردت أن تخبر عن الضمير بعمل أو صفة غير عمل، قلت: أنا منطلق، وهو ذاهب، وأنا معروف، وهو شجاع، وأنا كريم، وما أشبه ذلك، ولم يجز أن تقول: أنا زيد كريم، ولا هو عمرو شجاع، فتجعل زيدا بيانا ل (أنا)، وعمرا بيانا ل (هو)، لأنهما مستغنيان عن إنسان، وإنما تقول: أنا زيد، وهو عمرو، إذا كنت تعرّف من يجهل أنّك زيد وأنه عمرو، ثم تأتي بعده الحال التي هي حقيق له على نحو ما ذكرناه.

قال سيبويه: (ولو أن رجلا من إخوانك ومعرفتك أراد أن يخبرك عن نفسه، أو عن غيره بأمر فقال: أنا عبد الله منطلقا، وهو زيد منطلقا، كان محالا لأنه إنما يريد أن يخبرك بالانطلاق، ولم تقل هو ولا أنا حتى استغنيت أنت عن التسمية، لأنّ هو وأنا علامتان للمضمر وإنما يضمر إذا علم أنّك قد عرفت من يعني) وقد بيّنا هذا.

ثم قال: (إلا أن رجلا لو كان خلف حائط أو في موضع تجهله فيه فقلت: من

<<  <  ج: ص:  >  >>