للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

متشابهين لرجلين إذا يعلم أحدهما على ثوبه وترك الآخر العلامة، كان تعريته من العلامة علامة له. فأمّا المبتدأ فالابتداء يرفعه، وأمّا خبر المبتدأ فمن أصحابنا من يقول: إن الابتداء يرفع الاسم والخبر جميعا، وقال أبو العباس محمد بن يزيد: إن الابتداء يرفع المبتدأ، والمبتدأ والابتداء يرفعان الخبر.

ولسيبويه فيه عبارات مختلفة مشتبهة يوهم بعضها أن الخبر يرفعه المبتدأ، وذلك قوله: " فإن المبني عليه يرتفع به كما ارتفع هو بالابتداء، يعني يرتفع بالمبتدأ " ويوهم بعضهم أن الابتداء يرفع المبتدأ والخبر لقوله: " وارتفع المنطلق " وهو يعني خبر الابتداء؛ لأنّ المبنيّ على المبتدأ بمنزلته.

وفيه وجه حسن آخر ليس في شيء مما ذكرته في غير هذا الموضع ولا رأيته لأحد، وهو أن التعرية الموجبة للرفع قد وقعت على المبتدأ والخبر؛ لأنّ الخبر- أيضا- لم يدخل عليه عامل لفظيّ؛ لأنّ الاسم المبتدأ ليس بعامل، فكان في كل واحد منهما تعرية، ويدلّك على ذلك أن أصحابنا لا خلاف بينهم أن خبر المبتدأ قد يتقدم عليه ويرتفع بما كان يرتفع به، وقد علمنا أن العامل الضعيف لا يعمل فيما قبله، والابتداء والمبتدأ ليس بأقوى من إنّ وأخواتها، وأخبارها لا تتقدم عليها وإنما جاز تقديم خبر المبتدأ لأنّ فيه من التعرية مثل ما في المبتدأ، ويقوّي هذا قول سيبويه: " لأن المبنيّ على المبتدأ بمنزلته " وعلى نحو هذا سوى الكوفيون بين الابتداء والخبر، فجعلوا كل واحد منهما رافعا للآخر، أيّهما تقدّم رفع الذي بعده، وأيّهما تأخر رفع الذي قبله. قال: وزعم الخليل أنه يستقبح أن يقول: قائم زيد وذاكر، إذا لم يجعل قائما مقدّما مبنيا على المبتدأ، كما يؤخّر ويقدّم فيقول: ضرب زيدا عمرو، وعمرو

على ضرب مرتفع، وكان الحدّ أن يكون الابتداء مقدما، ويكون زيد مؤخّرا، وكذلك هذا الحدّ فيه أن يكون الابتداء فيه مقدما. وهذا عربي جيّد، وذلك قولك: تميمي أنا، ومشنوء من يشنؤك، وأرجل عبد الله، وخذ صنعتك.

يريد أنّ قولك: قائم زيد قبيح إن أردت أن تجعل قائم هو المبتدأ، وزيد خبره أو فاعله، وليس بقبيح أن تجعل قائم خبرا مقدما، والنية فيه التأخير كما تقول: ضرب زيدا عمرو، والنية تأخير زيد الذي هو مفعول، وتقديم عمرو الذي هو فاعل، وذلك قولك: تميميّ أنا، ومشنوء من يشنؤك أرجل عبد الله، وخذ صنّعتك؟، وقال بعد تقديم

<<  <  ج: ص:  >  >>