للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والظاهر من أقوال النحاة أن (ما) تؤدي معني الإبهام والتوكيد معا، وإن كان يصرح أحيانا بالإبهام، وأحيانا بالتوكيد، وقد جمع بينهما ابن يعيش فقال: " وقد تدخل (ما) (أين ومتى) للجزاء، زائدة مؤكدة، نحو متى ما تقم أقم، وأينما تجلس أجلس معك. قال الشاعر:

متى ما ير الناس الغني وجاره ... فقير يقولوا عاجز وجليد.

وقال الله تعالى: {أينما تكونوا يدرككم الموت} [النساء: ٧٨]، وقال: {فأينما تولوا فثم وجه الله} [البقرة: ١١٥]، فإذا دخلت عليهما (ما) زادتهما إبهاما وازدادت المجازاة بهما حسنا" (١). فذكر أنها زائدة مؤكدة، ثم قال: زادتهما إبهاما.

ومعنى التوكيد أظهر من الابهام في الاستعمال القرآني، والاستعمال العربي، فإنا لا أرى إبهاما في قوله تعالى: {حتى إذا ماجاؤها شهد عليهم سمعهم وأبصارهم} [فصلت: ٢٠]، وتخصيصا في قوله: {حتى إذا جاؤها فتحت أبوابها} [الزمر: ١٧]، فالكلام في الحالتين على أهل النار، ومجيئهم إياها، فلم كانت (إذا) الأولى مبهمة، والثانية غير مبهمة.

وكذلك قوله تعالى: {ولا على الذين إذا ما أتوك لتحلهم قلت لا أجد ما أحملكم عليه تولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزنا ألا يجدوا ما ينفقون} [التوبة: ٩٢]، فهذه الآيات نزلت في جماعة مخصوصين، في حادثة معينة مخصوصة، فكيف تكون (إذا) ههنا مبهمة؟

أما التوكيد فهو ظاهر واضح يدل عليه الاستعمال والقياس، فإن (ما) تزاد غير كافة تزاد كافة، وذلك نحو زيادتها بعد الأحرف المشبهة بالفعل، وبعد طائفة من حروف الجر وبعد المضاف، نحو (غضبت من غير ما جرم) فهي إذا زيدت غير كافة كانت للتوكيد في كل مواطنها، وقد مر بنا هذا في أكثر من موطن.


(١) شرح ابن يعيش ٤/ ١٠٥ - ١٠٦

<<  <  ج: ص:  >  >>