للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فيجب الأفراد كما لو صرح بالمفرد، ويكون جمعًا معرفًا فيجب الجمع وإن كانت المعرفة لو ذكرت لوجب الأفراد، ولكن فعل ذلك تنبيها على حال المحذوف فيهما، فالأول، نحو: {كل يعمل على شاكلته} [الإسراء: ٨٤]، {كمن آمن بالله} [التوبة: ١٩]، {كل قد علم صلاته وتسبيحه} [النور: ٤١]، إذ التقدير كل أحد.

والثاني نحو {كل له قانتون} [البقرة: ١١٦]، {كل في فلك يسبحون} [الأنبياء: ٣٣]، و {وكل أتوه داخرين} [النمل: ٨٧]، {وكل كانوا ظالمين} [الأنفال: ٥٤]، أي كلهم (١).

وجاء في (بدائع الفوائد) أن الأخبار بالجمع معناه أنهم مجتمعون في الحدث، وإن الأفراد معناه أن كل واحد قام به على انفراد، فإذا قلت (كل حضر) كان المعنى أن كل واحد منهم حضر، وإذا قلت (كل حضروا) كان المعنى أنهم اجتمعوا في الحضور، وكذا إذا كانت مضافة لفظًا نحو (كلهم حضروا) و (كلهم حضر) غير أنه في الجملة الأولى، أي (كلهم حضروا) أفاد التعبير احتمال اجتماعهم في الحضور، واحتمال حضورهم فرادي، بخلاف الثانية، فإنها تفيد حضور كل واحد منهم على رسله، جاء في (بدائع الفوائد): " (كل أخوتك ضربني) يقتضي أن أكل واحد منهم ضربك، فلو قلت (كل أخوتك ضربوني) و (كل القوم جاؤوني) أحتمل ذلك، واحتمل أن يكونوا اجتمعوا في الضرب والمجيء، لأنك أخبرت عن جملتهم بخبر واقع عن الجملة، بخلاف قولك (كل أخوتك جاءني) فإنما هو إخبار عن كل واحد منهم، وإن الأخبار بالمجيء عم مجيئهم.

فتأمل على هذا قوله تعالى: {قل كل يعمل على شاكلته} [الإسراء: ٨٤]، كيف أفرد الخبر، لأنه لم يرد اجتماعهم فيه، قال تعالى: {كل إلينا راجعون} [الأنبياء: ٩٣]، فجمع لما أراد الاجتماع في المجيء .. ولا يرد على هذا قوله تعالى: {وله من في السماوات والأرض كل له قانتون} [الروم: ٢٦]، بل هو تحقيق له وشاهد، لأن القنوت هنا هو العبودية العامة التي يشترك فيها أهل السماوات والأرض، ولا يختص بها بعضهم


(١) المغني ١/ ٢٠٠

<<  <  ج: ص:  >  >>