للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وهذا كثير وليس مطردًا.

٤ - يخيل إلي أن هناك فرقا بين دخول (ما) على الماضي، ودخول (لم) على المضارع من ناحية أخرى، وهي أن الماضي يدل على أن الأمر قد انقضي، وأما المضارع فإنه قد يدل على التكرار، والتجدد والتطاول، فقولك (كتب) يدل على انتهاء الحدث، وانقضائه وقولك (يكتب) يدل على تجدد الحدث واستمراره، فإذا دخلت (ما) على الماضي دل على انتفاء الحدث بصيغة المضي، وإذا دخلت (لم) على المضارع دل على انتفاء الحدث في المضي، لكن بصيغة التجدد والاستمرار، فدخلو (لم) يدل على أن الحدث لم يحصل في الماضي على تطاول المدة واستمرارها، قال تعالى: {ولقد خلقنا السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام وما مسنا من لغوب} [ق: ٣٨] ..

وقال: {قالت أني يكون لي غلام ولم يمسسني بشر ولم أك بغيا} [مريم: ٢٠].

فقال في الآية الأولى (وما مسنا) وفي الثانية (ولم يمسسني).

والسبب والله أعلم أن الآية الأولى رد على اليهود الذين يقولون إن الله تعب من خلق السماوات والأرض فاستراح في اليوم السابع (١).، تعالى الله عما يقولون، فرد عليهم بـ (ما) وجاء بـ (من) الاستغراقية للدلالة على أنه لم يحصل شيء من ذلك، بخلاف الثانية فإنها ليست ردًا على من قال إنها مسها بشر، ولكن إخبار عن نفسها بذلك.

والأمر الثاني وهو الذي يعنينا هنا، أنه في الآية الأولى جاء بصيغة الماضي، لأن الأمر حدث وانقضي مرة واحدة، وهو خلق السماوات والأرض، وأما الآية الثانية فهي في مس الرجال للنساء، وهو أمر قد يتكرر ويتجدد حصوله، فذكرت أن ذلك لم يحصل فيما انقضي من عمرها، فثمة اختلاف بين الأمرين فإنه في الثانية كان من الممكن أن يتكرر المس في الماضي بخلاف التعب الذي يعقب العمل فإنه موقوت بذلك العمل،


(١) انظر سفر التكوين - الاصحاح الثاني الاية ٢، ٣ و (سفر الخروج ٣١ - الاية ١٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>