للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قوله تعالى: {ولا تمش في الأرض مرحا} [لقمان: ١٨]، فإنه نهي عن الاختيال، ولم ينه عن المشي أصلا.

وقد يفيد نفي القيد الدلالة على حدوث الأصل، وذلك بتقديم القيد على عامله نحو (ما محمدًا أكرمت) فإن هذا التعبير يفيد نفي الإكرام لمحمد خاصة، وإثباته لغيره، بخلاف ما لو قلت (ما أكرمت محمدًا) فإنه يفيد الإكرام عن محمد، أما بالنسبة إلى غير محمد، فهو سكوت عنه، ونحو قولك (ما إلى خالد ذهبت) فإنه يفيد نفي الذهاب إلى خالد خاصة، وإثبات الذهاب إلى غيره، بخلاف قولك: (ما ذهبت إلى خالد) فإنه يفيد نفي الذهاب إلى خالد، أما الذهاب إلى غيره فهو مسكوت عنه (١).، كما ذكرنا آنفا.

ج - وقد يذكر القيد، والمراد نفي الأصل، وذلك نحو قوله تعالى: {لا يستئلون الناس إلحافا} [البقرة: ٢٧٣]، والمراد نفي السؤال أصلا بالحاف، أو بغيره، ومنه قوله تعالى: {لا يشترون بآيات الله ثمنا قليلا} [آل عمران: ١٩٩]، والمقصود نفي الشراء بآيات الله أصلا، لا ثمنا قليلا، ولا كثيرا، لأن كل ثمن هو قليل بالنسبة إلى آيات الله.

جاء في (البرهان): "ومنه نفي الشيء مقيدا، والمراد نفيه مطلقا، وهذا من أساليب العرب يقصدون به المبالغة في النفي، وتأكيده كقولهم (فلان لا يرجى خيره) ليس المراد أن فيه خيرًا لا يرجي، وإنما غرضهم أنه لا خير فيه على وجه من الوجوه.

ومنه {ويقتلون النبيين بغير حق} [آل عمران: ٢١]، فإنه يدل على أن قتلهم لا يكون إلا بغير حق، ثم وصف القتل بما لا بد أن يكون من الصفة، وهي وقوعه على خلاف الحق .. وقوله تعالى: {لا يسئلون الناس إلحافا} فإن ظاهرة نفي الإلحاف في المسألة والحقيقة نفي المسألة البتة ..

ومثله قوله تعالى: {ما للظالمين من حميم ولا شفيع يطاع} [غافر: ١٨]، ليس المراد نفي الشفيع بقيد الطاعة، بل نفيه مطلقًا (٢).


(١) انظر دلائل الإعجاز ٩٨
(٢) البرهان ٣/ ٣٩٦ - ٣٩٧، الكليات ٣٥٥

<<  <  ج: ص:  >  >>